﴿ألم﴾ سبق القول فيه في أوّل البقرة، ووقوع الاستفهام بعده دليل على استقلاله بنفسه فيكون اسماً للسورة، أو للقرآن، أو لله، أو أنه سرّ استأثر بعلمه الله تعالى، أو استقلالِه بما يضمر معه بتقديره مبتدأ أو خبراً وغيره مما مرّ أوّل سورة البقرة، وقيل في ألم أشار بالألف الدال على القائم إلا على المحيط، ولام الوصلة وميم التمام بطريق الرمز إلى أنه تعالى أرسل جبريل إلى محمد عليهما الصلاة والسلام، ولما قال تعالى في آخر السورة المتقدّمة ﴿وادع إلى ربك﴾ (القصص: ٨٧)
وكان في الدعاء إليه الحراب والضراب والطعان لأنّ النبي ﷺ وأصحابه كانوا مأمورين بالجهاد فشق على البعض ذلك فقال تعالى:
﴿أحسب الناس﴾ أي: كافةً ﴿أن يتركوا﴾ أي: أظنوا أنهم يتركون بغير اختبار وابتلاء في وقت ما بوجه من الوجوه تنبيه: أن يتركوا سدّ مسدّ مفعولي حسب عند الجمهور ﴿أن﴾ أي: بأن ﴿يقولوا﴾ أي: بقولهم ﴿آمنا وهم﴾ أي: والحال أنهم ﴿لا يفتنون﴾ أي: يختبرون بما تتميز به حقية إيمانهم بمشاق التكاليف كالمهاجرة والمجاهدة ورفض الشهوات وأنواع المصائب في الأنفس والأموال ليتبين المخلص من المنافق، والصادق من الكاذب، ولينالوا بالصبر عليها عوالي الدرجات فإنّ مجرد الإيمان وإن كان عن خلوص لا يقتضي غير الخلاص من الخلود في العذاب.
(٧/٢٧٥)
واختلفوا في سبب نزول هذه الآية: فقال الشعبي: نزلت في أناس كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام ثم هاجروا فتبعهم الكفار فمنهم من قتل ومنهم من نجا فأنزل الله تعالى هاتين الآيتين.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: إنها نزلت في عمار بن ياسر وعياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد وسلمة بن هشام كانوا يعذبون بمكة.
وقال ابن جريج: نزلت في عمار بن ياسر كان يعذب في الله عز وجل.


الصفحة التالية
Icon