﴿قل﴾ أي: لهؤلاء الذين تعبدوا بما تقلدوا بمذاهب آبائهم ﴿سيروا﴾ إن لم تقتدوا بأبيكم إبراهيم عليه الصلاة والسلام وتتأمّلوا ما أقام من الدليل القاطع والبرهان الساطع ﴿في الأرض﴾ إن لم يكفكم النظر في أحوال بلادكم ﴿فانظروا﴾ أي: نظر اعتبار ﴿كيف بدأ﴾ ربكم الذي خلقكم ورزقكم ﴿الخلق﴾ من الحيوان والنبات والزروع والأشجار وغير ذلك مما تضمنته الجبال والسهول ﴿ثم الله﴾ أي: الحائز لجميع صفات الكمال ﴿ينشئ النشأة الآخرة﴾ بعد النشأة الأولى، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الشين وألف بعد الشين ممدودة قبل الهمزة، والباقون بسكون الشين والهمزة بعد الشين، ثم علل ذلك بقوله تعالى: ﴿إن الله على كل شيء قدير﴾ لأن نسبة الأشياء كلها إليه واحدة، فإن قيل: أبرز اسم الله في الآية الأولى عند البدء فقال كيف يبدأ الله. وأضمره عند الإعادة وههنا أضمره عند البدء وأبرزه عند الإعادة فقال ثم الله ينشئ؟ أجيب: بأنه في الآية الأولى لم يسبق ذكر الله تعالى بفعل حتى يسند إليه البدء فقال: كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده اكتفاء بالأولى، وفي الثانية: كان ذكر البدء مسنداً إلى الله تعالى فاكتفى به ولم يبرزه، وأمّا إظهاره عند الإنشاء ثانياً فقال ثم الله ينشئ مع أنه كان يكفي أن يقول ثم ينشئ النشأة الآخرة فلحكمة بالغة وهي أنه مع إقامة البرهان على إمكان الإعادة أظهر اسمه حتى يفهم به صفات كماله ونعوت جلاله فيقطع بجواز الإعادة فقال: ثم الله مظهراً ليقع في ذهن الإنسان من اسمه كمال قدرته وشمول علمه ونفوذ إرادته فيعترف بوقوع بدئه وجواز إعادته.
(٧/٢٩٣)


الصفحة التالية
Icon