﴿فآمن له﴾ أي: لأجل دعائه له مع ما رأى من الآيات ﴿لوط﴾ وكان ابن أخيه هاران وهو أوّل من صدّقه من الرجال ﴿وقال﴾ أي: إبراهيم عليه السلام لما هو جدير بالإنكار من الهجرة لصعوبتها ﴿إني مهاجر﴾ أي: خارج من أرضي وعشيرتي على وجه يهمّ فمنتقل ومنحاز ﴿إلى ربي﴾ أي: إلى أرض ليس فيها أنيس ولا عشير ولا من ترجى نصرته ولا من تنفع مودّته فهاجر من كوثى من سواد الكوفة إلى حران ثم منها إلى الأرض المقدّسة فكانت هجرتان، ومن ثم قالوا لكل نبيّ هجرة ولإبراهيم عليه السلام هجرتان، وهو أوّل من هاجر في الله وكان معه في هجرته لوط وامرأته سارة، قال مقاتل وكان إذ ذاك ابن خمس وسبعين سنة.
فإن قيل: لمَ لَمْ يقل: إني مهاجر إلى حيث أمرني ربي مع أنّ المهاجرة توهم الجهة؟ أجيب: بأنّ هذا القول ليس في الإخلاص كقوله إلى ربي لأنّ الملك إذا صدر منه أمر برواح الأخيار ثم إن واحداً منهم سار إلى ذلك الموضع لغرض نفسه فقد هاجر إلى حيث أمره الملك ولكن ليس مخلصاً لوجهه فلذا قال مهاجر إلى ربي يعني يوجهني إلى الجهة المأمور بالهجرة إليها ليس طلباً للجهة وإنما هو طلب لله، ثم علل ذلك بما يسليه عن فراق أرضه وأهل ودّه من ذوي رحمه وأنسابه بقوله: ﴿إنه هو﴾ أي: وحده ﴿العزيز﴾ أي: فهو جدير بإعزاز من انقطع إليه ﴿الحكيم﴾ فهو إذا أعز أحداً منعته حكمته من التعرّض له بالإذلال بفعل أو مقال، ولما كان التقدير فأعززناه بما ظنّ بنا عطف عليه قوله:
(٧/٣٠٠)