وههنا لطيفة: وهي أنّ الله تعالى آية قدرته موجودة في الإنجاء والإهلاك فذكر من كل باب آية وقدم آيات الإنجاء لأنها أثر الرحمة وآخر آيات الهلاك لأنها أثر الغضب ورحمته سابقة، وعن الثاني بأنّ الإنجاء بالسفينة لا يفتقر إلى أمر آخر، وأمّا الآية ههنا الخسف وجعل ديارهم المعمورة عاليها سافلها وهو ليس بمعتاد وإنما ذلك بإرادة قادر يخصصه بمكان دون مكان وبزمان دون زمان فهي بينة لا يمكن الجاهل أن يقول هذا أمر يكون كذلك وكان له أن يقول في السفينة أمرها يكون كذلك فيقال له فلو دام الماء حتى ينفد زادهم كيف كانت تحصل لهم النجاة ولو سلط الله تعالى عليهم الريح العاصفة كيف تكون أحوالهم، وعن الثالث بأنّ السفينة موجودة معلومة في جميع أقطار العالم فعند كل قوم مثال السفينة يتذكرون بها حالة نوح وإذا ركبوها يطلبون من الله النجاة منه ولا يثق أحد بمجرّد السفينة بل يكون دائماً مرتجف القلب متضرّعاً إلى الله تعالى طالباً للنجاة، وأمّا أثر الهلاك في بلاد لوط ففي موضع مخصوص لا يطلع عليه إلا من مر بها ويصل إليها ويكون له عقل يعلم أنّ ذلك من الله تعالى وإراداته بسبب اختصاصه بمكان دون مكان ووجوده في زمان دون زمان، ولما كان شعيب عليه السلام أيضاً قد ابتلي بتكذيب قومه اتبع قصته بقصة لوط بقوله تعالى:
﴿وإلى مدين﴾ أي: ولقد أرسلنا أو بعثنا إلى مدين ﴿أخاهم﴾ أي: من النسب والبلد ﴿شعيباً﴾ ومدين قيل: اسم رجل في الأصل وجهل وله ذرية فاشتهر في القبيلة كتميم وقيس وغيرهما، وقيل: اسم ماء نسب القوم إليه فاشتهر في القوم، قال الرازي: والأوّل كأنه أصح لأنّ الله تعالى أضاف الماء إلى مدين بقوله تعالى: ﴿ولما ورد ماء مدين﴾ (القصص: ٢٣)
ولو كان اسماً للماء لكانت الإضافة غير صحيحة أو غير حقيقية والأصل في الإضافة التغاير والحقيقة، فإن قيل: قال تعالى في نوح: ﴿ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه﴾ (القصص: ٢٣)
(٧/٣١١)