فإن قيل: لم يذكر عن لوط عليه السلام أنه أمر قومه بالعبادة والتوحيد، وذكر عن شعيب ذلك؟ أجيب: بأنّ لوطاً كان من قوم إبراهيم وفي زمانه وكان إبراهيم سبقه بذلك واجتهد فيه حتى اشتهر الأمر بالتوحيد عند الخلق من إبراهيم فلم يحتج لوط إلى ذكره وإنما ذكر ما اختص به من المنع من الفاحشة وغيرها وإن كان هو أبداً يأمر بالتوحيد إذ ما من رسول إلا ويكون أكثر كلامه في التوحيد، وأمّا شعيب فكان بعد انقراض ذلك الزمن وذلك القوم فكان هو أصلاً في التوحيد فبدأ به، ولما كان السياق لإقامة الأدلة على البعث الذي هو من مقاصد السورة قال: ﴿وأرجوا اليوم الآخر﴾ أي: وافعلوا ما ترجون به العاقبة فأقيم المسبب مقام السبب، أو أمروا بالرجاء والمراد اشتراط ما يسوّغه من الإيمان كما يؤمر الكافر بالشرعيات على إرادة الشرط، وقيل: هو من الرجاء بمعنى الخوف ﴿ولا تعثوا في الأرض﴾ حال كونكم ﴿مفسدين﴾ أي: متعمدين الفساد، ولما تسبب عن هذا النصح وتعقبه تكذيبهم تسبب عنه وتعقبه إهلاكهم تحقيقاً لأنّ أهل السيئآت لا يسبقوننا قال تعالى: ﴿فكذبوه﴾ في ذلك، فإن قيل ما حكاه الله تعالى عن شعيب أمر ونهي والأمر لا يكذب ولا يصدق فإنّ من قال لغيره: اعبد الله لا يقال له كذبت؟ أجيب: بأنّ شعيباً كان يقول الله واحد فاعبدوه، والحشر كائن فارجوه، والفساد محرّم فلا تقربوه، وهذه فيها إخبارات فكذبوه فيما أخبر به ﴿فأخذتهم الرجفة﴾ أي: الزلزلة الشديدة، وعن الضحاك صيحة جبريل لأنّ القلوب رجفت بها ﴿فأصبحوا في دارهم﴾ أي: في بلدهم أو دورهم فاكتفى بالواحد ولم يجمع لأمن اللبس ﴿جاثمين﴾ أي: باركين على الركب ميتين فإن قيل: قال تعالى في الأعراف وههنا: فأخذتهم الرجفة وقال في هود: فأخذتهم الصيحة والحكاية واحدة؟ أجيب: بأنه لا تعارض بينهما فإن الصيحة كانت سبباً للرجفة لأنّ جبريل لما صاح تزلزلت الأرض من صيحته فرجفت قلوبهم، والإضافة إلى السبب لا تنافي الإضافة إلى سبب السبب.