*على هطالهم منهم بيوت | كأن العنكبوت هو ابتناها* |
﴿إن الله﴾ أي: الذي له صفات الكمال ﴿يعلم ما﴾ أي: الذي ﴿يدعون﴾ أي: يعبدون ﴿من دونه﴾ أي: غيره ﴿من شيء﴾ أي: سواء كان صنماً أم إنسياً أم جنياً ﴿وهو العزيز﴾ في ملكه ﴿الحكيم﴾ في صنعه، وقرأ أبو عمرو وعاصم يدعون بالياء التحتية، والباقون بالفوقية، ولما ذكر مثلهم وما تتوقف صحته عليه كان كأنه قيل: على وجه التعظيم: هذا المثل مثلهم فعطف عليه قوله تعالى إشارة إلى أمثال القرآن كلها تعظيماً لها وتنبيهاً على جليل قدرها وعلوّ شأنها.
﴿وتلك الأمثال﴾ أي: العالية عن أن تنال بنوع احتيال، ثم استأنف قوله تعالى ﴿نضربها﴾ أي: بمالنا من العظمة بياناً ﴿للناس﴾ أي: تصويراً للمعاني المعقولات بصور المحسوسات لعلها تقرب من عقولهم فينتفعوا بها، وهكذا حال التشبيهات كلها هي طرق إلى إفهام المعاني المحتجبة في الأستار تبرزها وتكشف عنها وتصوّرها، روي أنّ الكفار قالوا كيف يضرب خالق الأرض والسموات الأمثال بالهوام والحشرات كالذباب والبعوض والعنكبوت؟ فقال الله تعالى مجهلاً لهم: ﴿وما يعقلها﴾ أي: حق تعقلها فينتفع بها ﴿إلا العالمون﴾ أي: الذين هيؤا للعلم وجعل طبعاً لهم بما بث في قلوبهم من أنواره وأشرق في صدورهم من أسراره، فهم يضعون الأشياء مواضعها، روى الحارث بن أبي أسامة عن جابر أنّ النبي ﷺ قال: «العالم: الذي عقل عن الله وعمل بطاعته واجتنب سخطه» قال البغويّ: والمثل كلام سائر يتضمن تشبيه الآخر بالأوّل يريد أمثال القرآن التي يشبه بها أحوال كفار هذه الأمّة بأحوال كفار الأمم المتقدّمة، ولما قدّم تعالى أنه لا معجز له سبحانه ولا ناصر لمن خذله استدل على ذلك بقوله تعالى:
(٧/٣١٩)