﴿يوم يغشاهم العذاب﴾ أي: يلحقهم ويلصق بهم ﴿من فوقهم ومن تحت أرجلهم﴾ فعلم بذلك إحاطته من جميع الجوانب، فإن قيل: لم خص الجانبين ولم يذكر اليمين والشمال وخلف وقدّام؟ أجيب: بأنّ المقصود ذكر ما تتميز به نار جهنم عن نار الدنيا ونار الدنيا تحيط بالجوانب الأربعة فإنّ من يدخلها تكون الشعلة قدّامه وخلفه ويمينه ويساره، وأمّا النار من فوق فلا تنزل وإنما تصعد من أسفل في العادة وتحت الأقدام لا تبقى الشعلة بل تنطفئ الشعلة التي تحت القدم ونار جهنم تنزل من فوق ولا تنطفئ بالدوس موضع القدم.
(٧/٣٣٣)
فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى: ﴿من فوقهم ومن تحت أرجلهم﴾ ولم يقل من فوق رؤوسهم ولا قال من فوقهم ومن تحتهم بل ذكر المضاف إليه عند ذكر تحت ولم يذكره عند ذكر فوق؟ أجيب: بأن نزول النار من فوق سواء كان من سمت الرأس أم من موضع آخر عجب لأنّ طبع النار الصعود إلى فوق فلهذا لم يخصه بالرؤوس، وأمّا بقاء النار تحت القدم فهو عجب وإلا فمن جوانب القدم في الدنيا تكون الشعلة فذكر العجيب وهو ما تحت الأرجل حيث لم ينطفئ بالدوس، وأمّا فوق فعلى الإطلاق وقوله تعالى ﴿ونقول﴾ قرأ نافع والكوفيون بالياء أي: الموكل بالعذاب من ملائكته بأمره، والباقون بالنون أي: نأمر بالعذاب، ولما بين عذاب أجسامهم بين عذاب أرواحهم وهو أن يقال لهم على سبيل التنكيل والإهانة ﴿ذوقوا ما كنتم تعملون﴾ جعل ذلك عين ما كانوا يعملون مبالغة بطريق اسم المسبب على السبب فإن عملهم كان سبباً لعذابهم وهذا كثير في الاستعمال، ولما ذكر تعالى حال المشركين على حدة وحال أهل الكتاب على حدة وجمعهما في الإنذار وجعلهما من أهل النار اشتدّ عنادهم وزاد فسادهم وسعوا في إيذاء المؤمنين ومنعهم من العبادة قال تعالى:.


الصفحة التالية
Icon