ويتعدّى باللام قال تعالى: ﴿وإذ بوّأنا لإبراهيم﴾ (الحج: ٢٦)، ولما كانت العلالي لا تروق إلا بالرياض قال تعالى: ﴿تجري من تحتها الأنهار﴾ ومن المعلوم أنه لا يكون في موضع أنهار إلا أن يكون فيه بساتين كبار وزروع ورياض وأزهار فيشرفون عليها من تلك العلالي، ولما كانت بحالة لا نكر فيها يوجب هجرة في لحظة ما كنى عنه بقوله تعالى: ﴿خالدين فيها﴾ أي: لا يبغون عنها حولاً، ثم عظم أمرها وشرف قدرها بقوله تعالى: ﴿نعم أجر العاملين﴾ أي: هذا الأجر وهذا في مقابلة قوله تعالى للكافر: ﴿ذوقوا ما كنتم تعملون﴾ (العنكبوت: ٥٥)، ثم وصفهم بما يرغب في الهجرة بقوله تعالى:
﴿الذين صبروا﴾ أي: أوجدوا هذه الحقيقة حتى استقرّت عندهم فكانت سجية لهم فأوقفوها على كل شاق من التكاليف من هجرة وغيرها فإنّ الإنسان قل أن ينفك عن أمر شاق ينبغي الصبر عليه، ثم رغب في الاستراحة بالتفويض إليه بقوله تعالى: ﴿وعلى ربهم﴾ أي: المحسن إليهم وحده لا على أهل ولا وطن ﴿يتوكلون﴾ أي: يوجدون التوكل إيجاداً مستمرّاً لتجديد كل مهم يعرض لهم، ولما أشار بالتوكل إلى أنه الكافي في أمر الرزق في الوطن والغربة لا مال ولا أهل قال عاطفاً على ما تقديره فكأين من متوكل عليه كفاه ولم يحوجه إلى أحد سواه فليبادر من أنقذه من الكفر وهداه إلى الهجرة طلباً لرضاه.
(٧/٣٣٨)


الصفحة التالية
Icon