﴿أولم يروا﴾ أي: أهل مكة بعيون بصائرهم ﴿أنا جعلنا﴾ بعظمتنا لهم ﴿حرماً﴾ وقال ﴿آمناً﴾ لأنه لا خوف على من دخله، فلما أمن كل من دخله كان كأنه هو نفسه الآمن وهو حرم مكة فإنها مدينتهم وبلدهم وفيها سكناهم ومولدهم وهي حصينة بحصن الله وآمنة موجبة للتوحيد والإخلاص لأنكم في أخوف ما أنتم دعوتم الله وفي آمن ما حصلتم عليه كفرتم بالله، وهذا متناقض لأن دعاءكم في ذلك الوقت على سبيل الإخلاص فما كان إلا لقطعكم بأن النعمة من الله لا غير وهذه النعمة العظيمة التي حصلتم وقد اعترفتم بأنها لا تكون إلا من الله فكيف تكفرون بها؟ والأصنام التي قلتم في حال الخوف أنها لا أمن لها كيف آمنتم بها في حال الأمن ﴿و﴾ الحال أنه ﴿يتخطف الناس من حولهم﴾ أي: من حول من فيه من كل جهة قتلا وسبياً مع قلة من بمكة وكثرة من حولهم فالذي خرق العادة في فعل ذلك حتى صار على هذا السنن قادر على أن يعكس الحال فيجعل من بالحرم متخطفاً ومن حوله آمناً أو يجعل الكل في الخوف على منهاج واحد ﴿أفبالباطل﴾ من الشياطين والأديان وغيرهما ﴿يؤمنون﴾ والحال أنه لا يشك عاقل في بطلانه ﴿وبنعمة الله﴾ التي أحدثها لهم من الإنجاء وإرسال محمد ﷺ ﴿يكفرون﴾ حيث جعلوا موضع شكرهم له على النجاة وغيرها شركهم بعبادة غيره.
﴿ومن أظلم﴾ أي: أشدّ وضعاً للأشياء في غير مواضعها ﴿ممن افترى﴾ أي: تعمد ﴿على الله كذباً﴾ أي: أيّ كذب كان من الشرك وغيره كما كانوا يقولون ﴿إذا فعلوا فاحشة وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها﴾ ﴿أو كذب بالحق﴾ أي: النبيّ ﷺ أو القرآن المعجز المبين على لسان هذا الرسول الأمين الذي ما أخبر خبراً إلا طابقه الواقع ﴿لما﴾ أي: حين ﴿جاءه﴾ من غير إمهال إلى أن ينظر ويتأمل بل سارع إلى التكذيب أوّل ما سمعه وقوله تعالى: ﴿أليس في جهنم مثوىً للكافرين﴾ استفهام تقرير لمثواهم كقوله:
*ألستم خير من ركب المطايا | وأندى العالمين بطون راح* |