﴿وهو الذي يبدؤ الخلق﴾ أي: على سبيل التجديد كما تشاهدون، وأشار إلى تعظيم الإعادة بأداة التراخي فقال ﴿ثم يعيده﴾ أي: بعد الموت للبعث. وفي قوله تعالى ﴿وهو أهون عليه﴾ قولان أحدهما: أنها للتفضيل على بابها، وعلى هذا يقال: كيف يتصوّر التفضيل والإعادة والبداءة بالنسبة إلى الله تعالى على حدّ سواء؟ وفي ذلك أجوبة أحدها: إنّ ذلك بالنسبة إلى اعتقاد البشر باعتبار المشاهدة من أنّ إعادة الشيء أهون من اختراعه لاحتياج الابتداء إلى إعمال فكر غالباً وإن كان هذا منتفياً عن الباري سبحانه وتعالى، فخوطبوا بحسب ما ألفوه. ثانيها: أنّ الضمير في عليه ليس عائداً على الله تعالى إنما يعود على الخلق أي: والعود أهون على الخلق أي: أسرع؛ لأنّ البداءة فيها تدريج من طور إلى طور إلى أن صارت إنساناً، والإعادة لا تحتاج إلى هذه التدريجات فكأنه قيل: وهو أقصر عليه وأيسر وأقل انتقالاً، والمعنى: يقومون بصيحة واحدة فيكون أهون عليهم يعني: أن يقوموا نطفاً ثم علقاً ثم مضغاً إلى أن يصيروا رجالاً ونساء، وهي رواية الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس. ثالثها: أنّ الضمير في عليه يعود على المخلوق بمعنى: والإعادة أهون على المخلوق أي: إعادته شيئاً بعدما أنشأه، هذا في عرف المخلوقين فكيف ينكرون ذلك في جانب الله تعالى والثاني: أنّ أهون ليس للتفضيل بل هي صيغة بمعنى هين كقولهم: الله أكبر أي: كبير، وهي رواية العوفيّ عن ابن عباس، وقد يجئ أفعل بمعنى الفاعل كقول الفرزدق:

*إنّ الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً دعائمه أعز وأطول*
(٧/٣٧٣)


الصفحة التالية
Icon