وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: «خير الله تعالى لقمان بين الحكمة والنبوّة فاختار الحكمة فأتاه جبريل وهو نائم فذرّ عليه الحكمة فأصبح ينطق بها فقيل له: كيف اخترت الحكمة على النبوّة وقد خيرك ربك؛ فقال إنه لو أرسل إلي بالنبوّة عزمة لرجوت فيها الفوز منه ولكنت أرجو أن أقوم بها ولكنه خيرني فخفت أن أضعف عن النبوّة فكانت الحكمة أحب إليّ». وروي أنه دخل على داود وهو يصنع الدروع وقد لين الله له الحديد كالطين فأراد أن يسأله فأدركته الحكمة فسكت، فلما أتمها لبسها وقال: نعم لبوس الحرب أنت. فقال: الصمت حكمة وقليل فاعله. فقال له داود لحق ما سميت حكيماً، وروي أنّ مولاه أمره بذبح شاة وبأن يخرج منها أطيب مضغتين فأخرج اللسان والقلب ثم أمره بمثل ذلك وأن يخرج أخبث مضغتين فأخرج اللسان والقلب فسأله عن ذلك فقال: هما أطيب ما فيها إذا طابا وأخبث ما فيها إذا خبثا، وروي أنه لقيه رجل وهو يتكلم بالحكمة فقال ألست فلان الراعي فيم بلغت ما بلغت قال بصدق الحديث وأداء الأمانة وترك ما لا يعنيني، وعن ابن المسيب أنه قال لأسود: لا تحزن فإنه كان من خير الناس ثلاثة من السودان بلال ومهجع مولى عمر ولقمان كان أسود نوبياً ذا مشافر، وروي سادات السودان أربعة لقمان الحبشي والنجاشي وبلال ومهجع.
وعن أبي هريرة أنّ النبيّ ﷺ قال: «الحكمة عشرة أجزاء تسعة منها في العزلة وواحد في الصمت» وقال لقمان لا مال كصحة ولا نعيم كطيب نفس، وقال ضرب الوالد لولده كالسماد للزرع، ولما كانت الحكمة هي الإقبال على الله قال الله تعالى ﴿أن اشكر لله﴾ أي: وقلنا له أن أشكر لله على ما أعطاك من الحكمة ﴿ومن يشكر﴾ أي: يجدّد الشكر ويتعاهده بنفسه كائناً من كان ﴿فإنما يشكر لنفسه﴾ أي: لأنّ ثواب شكره له ﴿ومن كفر﴾ أي: النعمة ﴿فإن الله غني﴾ عن الشكر وغيره ﴿حميد﴾ أي: له جميع المحامد وإن كفره جميع الخلق.
(٧/٤١٨)