ومن حكمته أنه قال لابنه: يا بني لا ينزلن بك أمر رضيته أو كرهته إلا جعلت في الضمير منك إن ذلك خير لك، ثم قال لابنه: يا بني إن الله قد بعث نبياً هلم حتى نأتيه فنصدقه فخرج على حمار وابنه على حمار وتزودا، ثم سارا أياماً وليالي حتى لقيتهما مفازة فأخذا أهبتها لها فدخلا فسارا ما شاء الله تعالى حتى ظهرا وقد تعالى النهار، واشتد الحر، ونفد الماء والزاد، واستبطأ حماريهما فنزلا وجعلا يشتدان على سوقهما فبينما هما كذلك إذ نظر لقمان أمامه فإذا هو بسواد ودخان فقال في نفسه: السواد الشجر والدخان العمران والناس، فبينما هما يشتدان إذ وطئ ابن لقمان على عظم ناتئ على الطريق فخر مغشياً عليه فوثب إليه لقمان وضمه إلى صدره واستخرج العظم بأسنانه ثم نظر إليه لقمان فذرفت عيناه فقال: يا أبت أنت تبكي وأنت تقول هذا خير لي وقد نفد الطعام والماء وبقيت أنا وأنت في هذا المكان فإن ذهبت وتركتني على حالي ذهبت بهم وغم ما بقيت، وإن أقمت معي متنا جميعاً، فقال: يا بني أمّا بكائي فرقة الوالدين، وأمّا ما قلت كيف يكون هذا خيراً فلعل ما صرف عنك، أعظم مما ابتليت به ولعل ما ابتليت به أيسر مما صرف عنك، ثم نظر لقمان أمامه فلم ير ذلك الدخان والسواد وإذا بشخص أقبل على فرس أبلق عليه ثياب بياض وعمامة بيضاء يمسح الهواء مسحاً فلم يزل يرمقه بعينه حتى كان منه قريباً فتوارى عنه؛ ثم صاح به أنت لقمان قال نعم، قال أنت الحكيم، قال كذلك يقال: قال ما قال لك ابنك. قال: يا عبد الله من أنت؟ أسمع كلامك ولا أرى وجهك، قال: أنا جبريل أمرني ربي بخسف هذه القرية ومن فيها فأخبرت أنكما تريدانها فدعوت ربي أن يحبسكما عني بما شاء فحبسكما بما ابتلى به ابنك ولولا ذلك لخسفت بكما مع من خسفت، ثم مسح جبريل عليه السلام بيده على قدم ابنه فاستوى قائماً ومسح بيده على الذي كان فيه الطعام فامتلأ طعاماً وعلى الذي كان فيه الماء فامتلأ ماء ثم حملهما وحماريهما فرحل