﴿ومن يسلم﴾ أي: في الحال والاستقبال ﴿وجهه﴾ أي: قصده وتوجهه وذاته كلها ﴿إلى الله﴾ أي: الذي له صفات الكمال بأن فوض أمره إليه فلم يبق لنفسه أمر أصلاً فهو لا يتحرك إلا بأمر من أوامره سبحانه ﴿وهو﴾ أي: والحال أنه ﴿محسن﴾ أي: مخلص بباطنه كما أخلص بظاهره فهو دائماً في حال الشهود ﴿فقد استمسك﴾ أي: أوجد الإمساك بغاية ما يقدر عليه من القوّة في تأدية الأمور ﴿بالعروة الوثقى﴾ أي: اعتصم بالعهد الأوثق الذي لا يخاف انقطاعه؛ لأنّ أوثق العرى جانب الله تعالى فإن كل ما عداه هالك منقطع وهو باق لا انقطاع له، وهذا من باب التمثيل مثل حال المتوكل بحال من أراد أن يتدلى من شاهق جبل فاحتاط لنفسه بأن استمسك بأوثق عروة من حبل متين مأمون انقطاعه، فإن قيل كيف قال ههنا ﴿ومن يسلم وجهه إلى الله﴾ فعداه بإلى، وقال في البقرة ﴿بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن﴾ (البقرة: ١١٢)
فعداه باللام؟ أجيب: بأن أسلم يتعدّى تارة باللام، وتارة بإلى، كما يتعدّى أرسل تارة باللام وتارة بإلى قال تعالى ﴿وأرسلناك للناس رسولاً﴾ وقال تعالى ﴿كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً﴾ ﴿وإلى الله﴾ أي: الملك الأعلى ﴿عاقبة الأمور﴾ أي: مصير جميع الأشياء إليه، كما أنّ منه باديتها، وإنما خص العاقبة لأنهم مقرون بالبادية، ولما بين تعالى حال المسلم رجع إلى بيان حال الكافر فقال تعالى:
(٧/٤٤٠)


الصفحة التالية
Icon