وقال هنا ﴿فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد﴾؟ أجيب: بأنه لما ذكر ههنا أمراً عظيماً وهو الموج الذي كالجبال بقي أثر ذلك في قلوبهم فخرج منهم مقتصد، وهناك لم يذكر مع ركوب البحر معاينة مثل ذلك الأمر، فذكر إشراكهم حيث لم يبق عندهم أثر وقوله تعالى ﴿وما يجحدنا بآياتنا إلا كل ختار﴾ أي: غدّار فإنه نقض للعهد الفطري أي: لما كان في البحر والختر أشدّ الغدر ﴿كفور﴾ أي: للنعم في مقابله قوله تعالى إن في ذلك لآيات أي: يعترف بها الصبار الشكور، ويجحدها الختار الكفور، فالصبار في موازنة الختار لفظاً ومعنى، والكفور في موازنة الشكور كذلك أما لفظا فيهما فظاهر، وأمّا كون الختار في موازنة الصبار معنى فلأن الختار هو الغدّار الكثير الغدر أو شديد الغدر مثال مبالغة من الختر وهو أشدّ الغدر، والغدر لا يكون إلا من قلة الصبر؛ لأنّ الصبور لا يعهده منه الإضرار فإنه يصبر ويفوّض الأمر إلى الله تعالى، وأما الغدّار ليعاهدك ولا يصبر على العهد فينقضه. وأما أن الكفور في مقابلة الشكور معنى فظاهر، ولما ذكر تعالى الدلائل من أول السورة إلى هنا وعظ بالتقوى بقوله تعالى:
(٧/٤٥١)