فالسمع أصل دون محله لعدم الاختيار له، والعين كالأصل، وقوة الإبصار آلتها، والفؤاد كذلك، وقوة الفهم آلته، فذكر في السمع المصدر الذي هو القوة، وفي الإبصار والأفئدة الاسم الذي هو محل القوة، ولأن السمع قوة واحدة لها محل واحد، ولهذا لا يسمع الإنسان في زمان واحد كلامين على وجه يضبطهما ويرى في زمان واحد صورتين فأكثر ويثبتهما.
فإن قيل: لم قدم السمع هنا وقدم القول في قوله تعالى في البقرة ﴿ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم﴾ (البقرة: ٧)
أجيب: بأنه تعالى عند الإعطاء ذكر الأدنى ثم ارتقى إلى الأعلى فكأنه قال: أعطاكم السمع ثم أعطاكم ما هو أشرف منه وهو القلب، وعند السلب قال: ليس لهم قلب يدركون به ولا ما هو دونه وهو السمع الذي يسمعون به ممن له قلب يفهم الحقائق ويستخرجها.
ولما لم يبادروا إلى الإيمان عند التذكير بهذه النعم الجسام قال تعالى: ﴿قليلاً ما تشكرون﴾ أي: تشكرون شكراً قليلاً، فما مزيدة مؤكدة للقلة.
وقوله تعالى: ﴿وقالوا﴾ معطوف على ما سبق منهم فإنهم قالوا: محمد ليس برسول، والإله ليس بواحد، والبعث ليس بممكن فدل على صحة الرسالة بنفي الريب عن الكتاب، ثم على الوحدانية بشمول القدرة وإحاطة العلم بإبداع الخلق على وجه هو نعمة لهم، وختم بالتعجب من كفرهم وكان استبعادهم للبعث الذي هو الثابت الأصل من أعظم كفرهم وهو قولهم ﴿أئذا﴾ أي: انبعث إذا ﴿ضللنا﴾ أي: غبنا ﴿في الأرض﴾ أي: صرنا تراباً مخلوطاً بتراب الأرض لا نتميز منه، وأصله من ضل الماء في اللبن إذا أذهب فيه، وقولهم ﴿أئنا لفي خلق جديد﴾ أي: يجدد خلقنا استفهام إنكاري زيادة في الاستبعاد.
(٧/٤٦٨)