﴿ولو شئنا﴾ أي: بما لنا من العظمة ﴿لآتينا كل نفس﴾ أي: مكلفة لأن الكلام فيها ﴿هداها﴾ فتهتدي بالإيمان والطاعة باختيار منها جواب عن قولهم ﴿ربنا أبصرنا وسمعنا﴾ وذلك أن الله تعالى قال: إني لو أردت منكم الإيمان لهديتكم في الدنيا، ولما لم أهدكم تبين أني ما أردت ولا شئت إيمانكم فلا أردكم، وهذا صريح في الدلالة على صحة مذهب أهل السنة حيث قالوا: إن الله تعالى ما أراد الإيمان من الكافر وما شاء منه إلا الكفر ﴿ولكن﴾ لم أشأ ذلك لأنه ﴿حق القول مني﴾ وأنا من لا يخلف الميعاد؛ لأن الإخلاف إما العجزٍ أو نسيانٍ أو حاجةٍ ولا شيء من ذلك يليق بجنابي ولا يحل بساحتي، وأكد لأجل إنكارهم فقال مقسماً: ﴿لأملأن جهنم﴾ أي: التي هي محل إهانتي ﴿من الجنة﴾ أي: الجن طائفة إبليس، وكأنه تعالى أنثهم تحقيراً لهم عند من يستعظم أمرهم وبدأ بهم لاستعظامهم لهم ولأنهم الذين أضلوهم ﴿والناس أجمعين﴾ حيث قلت لإبليس: ﴿لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين﴾ (ص: ٨٥)
(٧/٤٧٢)
فلذلك شئت كفر الكافر وعصيان العاصي بعد أن جعلت لهم اختياراً، وغيبت العاقبة عنهم، فصار الكسب ينسب إليهم ظاهراً والخلق في الحقيقة والمشيئة لي.
ولما تسبب عن هذا القول الصادق أنه لا محيص بهم عن عذابهم قال لهم الخزنة إذا دخلوا جهنم:
﴿فذوقوا﴾ العذاب ﴿بما﴾ أي: بسبب ما ﴿نسيتم لقاء يومكم﴾ وحققه وبين ذلك بقوله تعالى: ﴿هذا﴾ أي: بترككم الإيمان به ﴿إنا نسيناكم﴾ أي: عاملناكم بمالنا من العظمة ولكم من الحقارة معاملة الناسي لكم فتركناكم في العذاب ﴿وذوقوا عذاب الخلد﴾ أي: المختص بأنه لا آخر له ﴿بما﴾ أي: بسبب ما ﴿كنتم تعملون﴾ أي: من الكفر والتكذيب وإنكار البعث.
ولما ذكر تعالى علامة أهل الكفر أن ذكر علامة أهل الإيمان بقوله تعالى: