ولما أمر باتباع الوحي رغبه فيه بالتعليل بأوضح من التعليل الأول في أن مكرهم خفي بقوله تعالى مذكراً بالاسم الأعظم بجميع ما يدل عليه من الأسماء الحسنى زيادة في التقوى على الامتثال مؤكداً للترغيب ﴿أن الله﴾ أي: بعظمته وكماله ﴿كان﴾ أزلاً وأبداً ﴿بما يعملون﴾ أي: الفريقان من المكايد وإن دق ﴿خبيراً﴾ أي: فلا تهتم بشأنهم، فإنه سبحانه كافيكه وإن تعاظم، وقرأ أبو عمرو ﴿بما يعملون خبيراً﴾ ﴿وبما يعملون بصيراً﴾ بالياء على الغيبة على أن الواو ضمير الكفرة والمنافقين والباقون بالتاء على الخطاب فيهما.
ولما كان الآدمي موضع الحاجة قال تعالى:
﴿وتوكل﴾ أي: دع الاعتماد على التدبير في أمورك واعتمد فيها ﴿على الله﴾ أي: المحيط علماً وقدرة فإنه يكفيك في جميع أمورك ﴿وكفى بالله﴾ أي: الذي له الأمر كله على الإطلاق ﴿وكيلا﴾ أي: موكولاً إليه الأمور كلها فلا تلتفت في شيء من أمرك إلى غيره؛ لأنه ليس لك قلبان تصرف كل واحد منهما إلى واحد كما قال تعالى:
﴿ما جعل الله﴾ أي: الذي له الحكمة البالغة والعظمة الباهرة ﴿لرجل﴾ أي: لأحد من بني آدم ولا غيره، وعبر بالرجل لأنه أقوى جسماً وفهماً فيفهم غيره من باب أولى، وأشار إلى التأكيد بقوله تعالى: ﴿من قلبين﴾ وأكد الحقيقة وقررها وجلاها وصورها بقوله تعالى: ﴿في جوفه﴾ أي: ما جمع الله تعالى قلبين في جوف؛ لأن القلب معدن الروح الحيواني المتعلق للنفس الإنساني أولاً، ومنبع القوى بأسرها ومدبر البدن بإذن الله تعالى وذلك يمنع التعدد ﴿وما جعل أزواجكم اللائي﴾ أباح لكم التمتع بهن ﴿تظاهرون منهن﴾ كما يقول الإنسان للواحدة منهن: أنت عليّ كظهر أمي ﴿أمهاتكم﴾ بما حرم عليكم من الاستمتاع بهن حتى تجعلوا ذلك على التأبيد وترتبوا على ذلك أحكام الأمهات كلها ﴿وما جعل أدعياءكم﴾ جمع دعيّ وهو من يدعي لغير أبيه ﴿أبناءكم﴾ حقيقة ليجعل لهم إرثكم ويحرم عليكم حلائلهم وغير ذلك من أحكام الأبناء.
(٧/٤٩٦)