ولما أخبرهم تعالى بما علم مما أوقعوه من أسرارهم وأمره ﷺ بوعظهم، حذرهم بدوام عمله بمن يخون منهم بقوله تعالى:
﴿قد يعلم الله﴾ الذي له إحاطة الجلال والجمال ﴿المعوقين منكم﴾ أي: المثبطين عن رسول الله ﷺ وهم المنافقون ﴿والقائلين لإخوانهم﴾ أي: ساكني المدينة ﴿هلم﴾ أي: ائتوا وأقبلوا ﴿إلينا﴾ موهمين أن ناحيتهم مما يقام فيها القتال ويواظب فيها على صالح الأعمال قال قتادة: هؤلاء ناس من المنافقين كانوا يثبطون أنصار رسول الله ﷺ ويقولون لإخوانهم ما محمد ﷺ وأصحابه إلا أكلة رأس، ولو كانوا لحماً لا التقمهم أبو سفيان وأصحابه، دعوا الرجل فإنه هالك، وقال مقاتل: نزلت في المنافقين وذلك أن اليهود أرسلت إلى المنافقين وقالوا ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبي سفيان ومن معه، فإنهم إن قدروا عليكم في هذه المرة لم يستبقوا منكم أحداً، فأنا أشفق عليكم، أنتم إخواننا وجيراننا فهلم إلينا، فأقبل عبد الله بن أُبيّ وأصحابه على المؤمنين يعوقونهم ويخوفونهم بأبي سفيان ومن معه وقالوا: ما ترجون من محمد، ما عنده خير ما هو إلا أن يقتلنا هنا انطلقوا بنا إلى إخواننا يعني اليهود فلم يزداد المؤمنون بقول المنافقين إلا إيماناً واحتساباً.
تنبيه: هلم اسم صوت سمي به فعل متعد مثل احضر وقرب، وأهل الحجاز يسوّون فيه بين الواحد والجماعة، وبلغتهم جاء القرآن العزيز، وأما بنو تميم فتقول: هلم يا رجل هلما يا رجلان هلموا يا رجال ﴿ولا﴾ أي: والحال أنهم لا ﴿يأتون البأس﴾ أي: الحرب أو مكانها ﴿إلا قليلاً﴾ أي: للرياء والسمعة بقدر ما يراهم المخلصون، فإذا اشتغلوا بالمعاركة وكفى كل منهم ما إليه تسللوا عنه لواذاً وعاذوا بمن لا ينفعهم من الخلق عياذاً.
﴿أشحة﴾ أي: يفعلون ما تقدم، والحال أن كلاً منهم شحيح ﴿عليكم﴾ أي: بحصول نفع منهم أو من غيرهم نفس أو مال.
(٨/٢٤)


الصفحة التالية
Icon