ولما تقرر أن الحكمة لا تتم إلا بإيجاد الآخرة قال تعالى: ﴿وهو الحكيم﴾ أي: الذي بلغت حكمته النهاية التي لا مزيد عليها، والحكمة هي العلم بالأمور على وجه الصواب متصلاً بالعمل على وفقه ﴿الخبير﴾ أي: البليغ الخبر وهو العلم بظواهر الأمور وبواطنها حالاً ومآلاً.
ثم بين كمال خبره بقوله تعالى:
﴿يعلم ما يلج﴾ أي: يدخل ﴿في الأرض﴾ أي: هذا الجنس من المياه والأموال والأموات وغيرها ﴿وما يخرج منها﴾ من المياه والمعادن والنبات وغيرها ﴿وما ينزل من السماء﴾ أي: من هذا الجنس من قرآن وملائكة وماء وحرارة وبرودة وغير ذلك ﴿وما يعرج فيها﴾ من الكلام الطيب قال تعالى: ﴿إليه يصعد الكلم الطيب﴾ (فاطر: ١٠)
والملائكة والأعمال الصالحة قال تعالى ﴿والعمل الصالح يرفعه﴾ (فاطر: ١٠)
(٩/٣)
تنبيه: قدم ما يلج في الأرض على ما ينزل من السماء لأن الحبة تبذر أولاً ثم تسقى ثانياً وقال تعالى ﴿ما يعرج فيها﴾ ولم يقل ما يعرج إليها إشارة إلى قبول الأعمال الصالحة لأن كلمة إلى للغاية فلو قال وما يعرج إليها لفهم الوقوف عند السموات فقال ﴿وما يعرج فيها﴾ ليفهم نفوذه فيها وصعوده وتمكنه فيها، ولهذا قال في الكلم الطيب ﴿إليه يصعد الكلم الطيب﴾ لأن الله تعالى هو المنتهى ولا مرتبة فوق الوصول إليه ﴿وهو﴾ أي: والحال أنه وحده مع كثرة نعمه المقيمة للأبدان ﴿الرحيم﴾ أي: المنعم بإنزال الكتب وإرسال الرسل لإقامة الأديان وغير ذلك ﴿الغفور﴾ أي: المحاء للذنوب للمفرطين في شكر نعمته مع كثرتها أو في الآخرة مع ما له من سوابق هذه النعم الفائقة للحصر.
تنبيه: قدم تعالى صفة الرحمة على صفة الغفور ليعلم أن رحمته سبقت غضبه.
ثم بين تعالى أن هذه النعمة التي يستحق الله تعالى بها الحمد وهي نعمة الآخرة أنكرها قوم فقال:
(٩/٤)


الصفحة التالية
Icon