﴿وقال الذين كفروا﴾ أي: قال بعضهم على وجه التعجب لبعض ﴿هل ندلكم على رجل﴾ يعنون محمداً ﷺ ﴿ينبئكم﴾ أي: يخبركم إخباراً لا أعظم منه بما حواه من العجب الخارج عما نفعله أنكم ﴿إذا مزقتم﴾ أي: قطعتم وفرقتم بعد موتكم. وقوله تعالى ﴿كل ممزق﴾ يحتمل أن يكون اسم مفعول أي: كل تمزيق فلم يبق شيء من أجسادكم مع شيء بل صار الكل بحيث لا يميز بين ترابه وتراب الأرض، ويحتمل أن يكون ظرف مكان بمعنى إذا مزقتم وذهبت بكم الرياح والسيول كل مذهب ﴿إنكم لفي خلق جديد﴾ أي: تنشؤون خلقاً جديداً بعد أن تكونوا رفاتاً وتراباً.
والهمزة في قوله:
(٩/٨)
﴿أفترى﴾ أي: تعمد ﴿على الله﴾ أي: الذي لا أعلم منه ﴿كذباً﴾ أي: بالإخبار بخلاف الواقع وهو عاقل صحيح القصد همزة استفهام فالقراء الجميع يحققونها، واستغنى بها عن همزة الوصل فإنها تحذف لأجلها فلذلك تثبت هذه الهمزة ابتداء ووصلاً، قال البغوي: هذه ألف استفهام دخلت على ألف الوصل فلذلك نصبت ﴿أم به جنة﴾ أي: جنون يحكى به ذلك، واستدل الجاحظ بهذه الآية على أن الكلام ثلاثة أقسام: صدق وكذب، ولا صدق ولا كذب ووجه الدلالة منه على القسم الثالث أن قولهم ﴿أم به جنة﴾ لا جائز أن يكون كذباً لأنه قسيم الكذب وقسيم الشيء غيره، ولا جائز أن يكون صدقاً لأنهم لم يعتقدوه فثبت قسم ثالث. وأجيب عنه: بأن المعنى أم لم يفتر ولكن عبر هذا بقولهم ﴿أم به جنة﴾ لأن المجنون لا افتراء له.
تنبيه: قوله ﴿أفترى﴾ يحتمل أن يكون من تمام قول الكافرين أولاً أي: من كلام القائلين ﴿هل ندلكم﴾ ويحتمل أن يكون من كلام السامع المجيب للقائل ﴿هل ندلكم﴾ كأن القائل لما قال له ﴿هل ندلكم على رجل﴾ قال له: هل افترى على الله كذباً إن كان يعتقد خلافه أم به جنة أي: جنون إن كان لا يعتقد خلافه.