وقيل: صورت الشياطين لهم صور قوم من الجن وقالوا: هذه صور الجن فاعبدوها ثم استأنفوا قولهم ﴿أكثرهم﴾ أي: الإنس ﴿بهم﴾ أي: الجن ﴿مؤمنون﴾ أي: راسخون في الإشراك لا يقصدون بعبادتهم غيرهم.
(٩/٦٢)
وقيل: الضمير الأول للمشركين والأكثر: بمعنى الكل وقيل: منهم من يقصد بعبادته بتزيين الجن غيرهم وهم مع ذلك يصدقون ما يرد عليهم من إخبارات الجن على ألسنة الكهان وغيرهم مع ما يرون فيها من الكذب في كثير من الأوقات.
ولما بطلت تمسكاتهم وانقطعت تعلقاتهم تسبب عن ذلك تقريعهم الناشئ عن تنديمهم بقوله تعالى: بلسان العظمة:
﴿فاليوم﴾ أي: يوم مخاطبتهم بهذا التبكيت وهو يوم الحشر ﴿لا يملك﴾ أي: شيئاً من الملك ﴿بعضكم لبعض﴾ أي: من المقربين والمبعدين ﴿نفعاً ولا ضراً﴾ بل تنقطع الأسباب التي كانت في دار التكليف من دار الجزاء التي المقصود فيها تمام إظهار العظمة لله وحده على أتم الوجوه.
فإن قيل: قوله تعالى نفعاً مفيد للحسرة فما فائدة ذكر الضر مع أنهم لو كانوا يملكون الضر لما نفع الكافرين ذلك أجيب: بأن العبادة لما كانت تقع لدفع ضرر المعبود كما يعبد الجبار ويخدم مخافة شره بين أنه ليس فيهم ذلك الوجه الذي تحسن لأجله عبادتهم وقوله تعالى: ﴿ونقول﴾ أي: في ذلك الحال من غير إمهال ﴿للذين ظلموا﴾ أي: بوضع العبادة في غير موضعها عند إدخالهم النار ﴿ذوقوا عذاب النار التي كنتم﴾ أي: جبلة وطبعاً ﴿بها تكذبون﴾ عطف على لا يملك فبين المقصود من تمهيده، فإن قيل: قوله ههنا التي كنتم بها صفة للنار وفي السجدة وصف العذاب فجعل المكذب هنا النار، وجعل المكذب في السجدة العذاب وهم كانوا يكذبون بالكل فما فائدته أجيب: بأنهم كانوا متلبسين بالعذاب مترددين فيه بدليل قوله تعالى: ﴿كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون﴾ (السجدة: ٢٠)