﴿إن الشيطان﴾ أي: المحترق بالغضب البعيد عن الخبر ﴿لكم﴾ أي: خاصة ﴿عدو﴾ فهو في غاية الفراغ لأذاكم بتصويب مكايده كلها إليكم، وبما سبق له مع أبيكم آدم عليه السلام بما وصل أذاه إليكم، وأيضاً من عادى أباك فقد عاداك فاجتهدوا في الهرب منه ولا توالوه كما قال تعالى ﴿فاتخذوه﴾ أي: بغاية جهدكم ﴿عدواً﴾ أي: في عقائدكم وأفعالكم ولا يوجدنَّ منكم إلا ما يدل على معاداته ومناصبته في سركم وجهركم. قال القشيري: ولا تقوى على عداوته إلا بدوام الاستعانة بالرب، فإنه لا يغفل عن عداوتك فلا تغفل أنت عن مولاك لحظة.
ثم علل عداوته بقوله ﴿إنما يدعو حزبه﴾ أي: الذين يوسوس لهم فيعرضهم لاتباعه والإعراض عن الله تعالى ﴿ليكونوا﴾ باتباعه كوناً راسخاً ﴿من أصحاب السعير﴾ وهذا غرضه لا غرض له سواه ولكنه يجتهد في تعمية ذلك عنهم بأن يقرر في نفوسهم جانب الرجاء وينسيهم جانب الخوف، ويريهم أن التوبة في أيديهم ويسّوف لهم بها بالفسحة في الأمل والإبعاد في الأجل للإفساد في العمل، والرحمن إنما يدعو عباده ليكونوا من أهل النعيم كما قال تعالى ﴿والله يدعو إلى دار السلام﴾ (يونس: ٢٥)
ثم بين تعالى ما حال حزب الشيطان بقوله تعالى:
﴿الذين كفروا لهم عذاب شديد﴾ أي: في الدنيا بفوات ما يأملونه مع تفرقة قلوبهم وانسداد بصائرهم وسفالة هممهم حتى أنهم رضوا أن يكون إلههم حجراً، وفي الآخرة بالسعير التي دعاهم إلى صحبتها، ثم بين حزبه تعالى بقوله سبحانه ﴿والذين آمنوا وعملوا﴾ أي: تصديقاً لإيمانهم ﴿الصالحات﴾ من صلاة وزكاة وصوم وغير ذلك من المأمورات ﴿لهم مغفرة﴾ أي: ستر لذنوبهم في الدنيا ولولا ذلك لافتضحوا، وفي الآخرة بحيث لا عتاب ولا عقاب ولولا ذلك لهلكوا ﴿أجر كبير﴾ هو الجنة والنظر إلى وجهه الكريم، فالمغفرة في مقابلة الإيمان فلا يؤبد مؤمن في النار، والأجر الكبير في مقابلة العمل الصالح، ونزل كما قال ابن عباس في أبي جهل ومشركي العرب:
(٩/٨٢)


الصفحة التالية
Icon