ولما ذكر العبد بوصفه الحقيقي أتبعه ذكر الخالق باسمه الأعظم فقال: ﴿والله هو الغني﴾ أي: المستغني على الإطلاق فلا يحتاج إلى أحد ولا إلى عبادة أحد من خلقه، وإنما أمرهم بالعبادة لإشفاقه تعالى عليهم ففي هذا رد على المشركين حيث قالوا للنبي ﷺ إن الله لعله محتاج إلى عبادتنا حتى أمرنا بها أمراً بالغاً وهددنا على تركها مبالغاً، فإن قيل: قد قابل الفقر بالغنى فما فائدة قوله تعالى ﴿الحميد﴾ أي: المحمود في صنعه بخلقه؟ أجيب: بأنه لما أثبت فقرهم إليه وغناه عنهم وليس كل غني نافعاً بغناه إلا إذا كان الغني منعماً جواداً، وإذا جاد وأنعم حمده المنعم عليهم واستحق عليهم الحمد ذكر الحميد ليدل به على أنه الغني النافع بغناه خلقه الجواد المنعم عليهم المستحق بإنعامه أن يحمدوه وقوله تعالى:
﴿إن يشأ يذهبكم﴾ أي: جميعاً بيان لغنائه وفيه بلاغة كاملة؛ لأن قوله تعالى ﴿إن يشأ يذهبكم﴾ أي: ليس إذهابكم موقوفاً إلا على مشيئته بخلاف الشيء المحتاج إليه فإن المحتاج إلى الشيء لا يقال فيه: إن شاء فلان هدم داره، وإنما يقال: لولا حاجة السكنى إلى الدار لبعتها، ثم إنه تعالى زاد على بيان الاستغناء بقوله تعالى: ﴿ويأت بخلق جديد﴾ أي: إن كان يتوهم متوهم أن بهذا الملك كماله وعظمته فلو أذهبه لزال ملكه وعظمته فهو قادر أن يخلق خلقاً جديداً أحسن من هذا وأجمل، وعن ابن عباس: يخلق بعدكم من يعبده لا يشرك به شيئاً.
﴿وما ذلك﴾ أي: الأمر العظيم من الإذهاب والإتيان ﴿على الله﴾ أي: المحيط بجميع صفات الكمال خاصة ﴿بعزيز﴾ أي: بممتنع ولا شاق وهو محمود عند الإعدام كما هو محمود عند الإيجاد، فإن قيل: استعمل تعالى العزيز تارة في القائم بنفسه فقال تعالى في حق نفسه ﴿وكان الله قوياً عزيزاً﴾ (الأحزاب: ٢٥)
وقال في هذه السورة ﴿عزيز غفور﴾ (فاطر: ٢٨)
(٩/٩٧)


الصفحة التالية
Icon