ولما كان رسول الله ﷺ أسمعهم ذلك فلم ينفعهم نزل ﴿إنما تنذر﴾ أي: إنذاراً يفيد الرجوع عن الغي ﴿الذين يخشون ربهم﴾ أي: المحسن إليهم فيوقعون هذا الفعل في الحال ويواطئون عليه في الاستقبال، ولما كان أولى الناس عقلاً وأعلاهم همة من كان غيبه مثل حضوره قال تعالى ﴿بالغيب﴾ وهو حال من الفاعل أي: يخشونه غائبين بين عنه أو من المفعول أي: غائباً عنهم.
ولما كانت الصلاة جامعة للخضوع الظاهر والباطن فكانت أشرف العبادات وكانت إقامتها بمعنى حفظ جميع حدودها في كل حال أدل الطاعات على الإخلاص قال تعالى معبراً بالماضي؛ لأن مواقيت الصلاة مضبوطة ﴿وأقاموا﴾ أي: دليلاً على خشيتهم ﴿الصلاة﴾ في أوقاتها الخمسة وما يتبع ذلك من السنن ﴿ومن تزكى﴾ أي: تطهر بفعل الطاعات وترك المعاصي ﴿فإنما يتزكى لنفسه﴾ إذ نفعه لها ﴿وإلى الله﴾ أي: الذي لا إله غيره ﴿المصير﴾ أي: المرجع كما كان منه المبدأ فيجازي كلاً على فعله.
(٩/٩٩)
ثم لما بين تعالى الهدى والضلالة وهدى الله تعالى المؤمن ولم يهد الكافر ضرب لهما مثلاً بقوله تعالى:
﴿وما يستوي الأعمى﴾ أي: عن الهدى ﴿والبصير﴾ بالهدى أي: المؤمن والكافر وقيل: الجاهل والعالم، وقيل: هما مثلاً للصنم ولله تعالى.
﴿ولا الظلمات﴾ أي: الكفر ﴿ولا النور﴾ أي: الإيمان، أو ولا الباطل ولا الحق.
﴿ولا الظل﴾ أي: الجنة ﴿ولا الحرور﴾ أي: النار، أو ولا الثواب ولا العقاب.
(٩/١٠٠)
تنبيه: قال ابن عباس: الحرور الريح الحارة بالليل، والسموم بالنهار وقيل: الحرور تكون بالنهار مع الشمس، وقيل: السموم تكون بالنهار والحرور بالليل والنهار.
وقوله تعالى ﴿وما يستوي الأحياء ولا الأموات﴾ تمثيل آخر للمؤمن والكافر أبلغ من الأول ولذلك كرر الفعل وقيل: للعلماء وللجهال.


الصفحة التالية
Icon