ولما ذكر تعالى الدلائل ولم ينتفعوا قطع الكلام معهم والتفت إلى غيرهم بقوله تعالى:
﴿ألم تر﴾ أي: تعلم أي: أيها المخاطب ﴿أن الله﴾ أي: الذي له جميع صفات الكمال ﴿أنزل من السماء ماء﴾ كما أن السيد إذا نصح بعض عبيده ولم ينزجر يقول لغيره: اسمع ولا تكن مثل هذا ويكرر ما ذكره للأول، ويكون فيه إشعار بأن الأول فيه نقيصة لا يصلح للخطاب فيتنبه له ويدفع عن نفسه تلك النقيصة، وأيضاً فلا يخرج إلى كلام أجنبي عن الأول بل يأتي بما يقاربه؛ لئلا يسمع الأول كلام الآخر فيترك التفكر فيما كان وقوله تعالى ﴿فأخرجنا﴾ أي: بما لنا من القدرة والعظمة ﴿به﴾ أي: بالماء ﴿ثمرات﴾ أي: متعددة الأنواع، فيه التفات من الغيبة إلى التكلم وإنما كان ذلك؛ لأن المنة بالإخراج أبلغ من إنزال الماء وقوله تعالى: ﴿مختلفاً﴾ نعت لثمرات وقوله تعالى: ﴿ألوانها﴾ فاعل به، ولولا ذلك لأنث مختلفاً، ولكنه لما أسند إلى جمع تكسير غير عاقل جاز تذكيره، ولو أنث فقيل: مختلفة كما تقول: اختلفت ألوانها لجاز أي: مختلفة الأجناس من الرمان والتفاح والعنب وغيرها مما لا يحصر أو الهيئات من الحمرة والصفرة والخضرة ونحوها، فالذي قدر على المفاوتة بينها وهي من ماء واحد لا يستبعد عليه أن يجعل الدلائل بالكتاب وغيره نوراً لشخص وعمى لآخر.
(٩/١٠٤)


الصفحة التالية
Icon