ولما كانت الشدائد في الدنيا تنفرج وإن طال أمدها قال تعالى: ﴿ولا يخفف عنهم﴾ وأعرق في النفي بقوله تعالى: ﴿من عذابها﴾ أي: جهنم.
تنبيه: في الآية الأولى أن العذاب في الدنيا إن دام قتل وإن لم يقتل يعتاده البدن ويصير مزاجاً فاسداً لا يحس به المعذب فقال: عذاب نار الآخرة ليس كعذاب الدنيا إما أن يفنى وإما أن يألفه البدن بل هو في كل زمان شديد والمعذب فيه دائم.
الثانية: وصف العذاب بأنه لا يفتر ولا ينقطع ولا بأقوى الأسباب وهو الموت حتى يتمنوه ولا يجابون كما قال تعالى ﴿ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك﴾ (الزخرف: ٧٧)
أي: بالموت.
الثالثة، ذكر في المعذبين الأشقياء أنه لا ينقضي عذابهم ولم يقل تعالى: نزيدهم عذاباً وفي المثابين قال تعالى ﴿ويزيدهم من فضله﴾ (النور: ٣٨)
وقوله تعالى ﴿كذلك﴾ إما مرفوع المحل أي: الأمر كذلك وإما منصوبه أي: مثل ذلك الجزاء العظيم ﴿نجزي كل كفور﴾ أي: كافر بالله تعالى وبرسوله، وقرأ أبو عمرو بياء مضمومة وفتح الزاي ورفع كل، والباقون بنون مفتوحة وكسر الزاي ونصب كل.
﴿وهم﴾ أي: فعل ذلك بهم والحال أنهم ﴿يصطرخون فيها﴾ أي: يوجدون الصراخ فيها بغاية ما يقدرون عليه من الجهد في الصياح من البكاء والتوجع يقولون ﴿ربنا﴾ أي: أيها المحسن إلينا ﴿أخرجنا﴾ أي: من النار ﴿نعمل صالحاً﴾ ثم فسروه وبينوه بقولهم ﴿غير الذي كنا نعمل﴾ في الدنيا، فإن قيل: هلا اكتفى بقولهم ﴿نعمل صالحاً﴾ كما اكتفى به في قولهم ﴿فأرجعنا نعمل صالحاً﴾ (السجدة: ١٢)
وما فائدة زيادة ﴿غير الذي كنا نعمل﴾ على أنه يوهم أنهم يعملون صالحاً آخر غير الصالح الذي عملوه؟ أجيب: بأن فائدته زيادة التحسر على ما عملوه من غير الصالح مع الاعتراف به وأما الوهم فزائل بظهور حالهم في الكفر وظهور المعاصي، ولأنهم كانوا يحسبون أنهم على سيرة صالحة كما قال تعالى ﴿وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً﴾ (الكهف: ١٠٤)
(٩/١١٨)