وأنتم يا أهل مكة كفرتم بمحمد ومن قبله عليهم السلام ﴿وكانوا﴾ أي: أهلكناهم لتكذيبهم رسلنا، والحال أنهم كانوا ﴿أشد منهم﴾ أي: من هؤلاء ﴿قوة وما كان الله﴾ أي: الذي له جميع العظمة وأكد الاستغراق في النفي بقوله تعالى: ﴿ليعجزه﴾ أي: مريداً لأن يعجزه، ولما انتفت إرادة العجز فيه انتفى العجز بطريق الأولى، وأبلغ في التأكيد بقوله تعالى: ﴿من شيء﴾ أي: قل أو جل وعم بما يصل إليه إدراكنا بقوله تعالى: ﴿في السموات﴾ أي: جهة العلو، وأكد بقوله عز وجل ﴿ولا في الأرض﴾ أي: جهة السفل ﴿أنه كان﴾ أي: أزلاً وأبداً ﴿عليماً﴾ أي: بالأشياء كلها حقيرها وجليلها ﴿قديراً﴾ أي: كامل القدرة أي: فلا يريد شيئاً إلا كان ولما كانوا يستعجلون بالتوعد استهزاء، كقولهم: ﴿اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم﴾ (الأنفال: ٣٢)
على أن التقدير ولو عاملكم الله تعالى معاملة المؤاخذ لعجل إهلاككم عطف عليه قوله تعالى إظهاراً للحكم مع العلم
﴿ولو يؤاخذ الله﴾ أي: بما له من صفات العلو ﴿الناس﴾ أي: المكلفين ﴿بما كسبوا﴾ أي: من المعاصي ﴿ما ترك على ظهرها﴾ أي: الأرض ﴿من دابة﴾ أي: نسمة تدب عليها كما كان في زمن نوح عليه السلام أهلك الله تعالى ما على ظهر الأرض إلا من كان في السفينة مع نوح.
فإن قيل: إذا كان الله تعالى يؤاخذ الناس بما كسبوا فما بال الدواب؟ أجيب: بأن المطر إنعام من الله في حق العباد، وإذا لم يستحقوا الإنعام قطعت الأمطار عنهم فيظهر الجفاف على وجه الأرض فيموت جميع الحيوانات، وبأن خلقة الحيوانات نعمة والمعاصي تزيل النعم وتحل النقم والدواب أقرب النعم؛ لأن المفرد أولاً ثم المركب، والمركب إما أن يكون معدناً وإما أن يكون نامياً، والنامي إما أن يكون حيواناً أو نباتاً، والحيوان إما إنسان أو غير إنسان فالدواب أعلى درجات المخلوقات في عالم العناصر للإنسان.
(٩/١٢٨)