﴿إنك لمن المرسلين﴾ أي: الذين حكمت عقولهم على دواعي نفوسهم فصاروا بما وهبهم الله من القوة النورانية وبما تخلقوا به من أوامره ونواهيه كالملائكة الذين تقدم ذكرهم في السورة الماضية إنهم رسله جواب القسم وهو رد على الكفار حيث قالوا: لست مرسلاً، فإن قيل: المطلب يثبت بالدليل لا بالقسم فما الحكمة بالإقسام؟ أجيب: بأوجه: أولها: أن العرب كانوا يتقون الأيمان الفاجرة، وكانوا يقولون إن الأيمان الفاجرة توجب خراب العالم، وصحح النبي ﷺ ذلك بقوله: «اليمين الكاذبة تدع الديار بلاقع» ثم إنهم كانوا يقولون: إن النبي ﷺ يصيبه من آلهتهم وهي الكواكب عذاب، والنبي ﷺ يحلف بأمر الله وإنزال كلامه عليه بأشياء مختلفة، وما كان يصيبه عذاب بل كان كل يوم أرفع شأناً وأمنع مكاناً فكان ذلك يوجب اعتقاد أنه ليس بكاذب.
ثانيها: أن المناظرين إذا وقع بينهما كلام وغلب أحدهما الآخر بتمشية دليله وأسكته يقول المغلوب: إنك قررت هذا بقوة جدالك وأنت خبير في نفسك بضعف مقالتك، وتعلم أن الأمر ليس كما تقول وإن أقمت عليه الدليل صورة وعجزت أنا على القدح فيه، وهذا كثير الوقوع بين المتناظرين فعند هذا لا يجوز أن يأتي هو بدليل آخر؛ لأن الساكت المنقطع يقول في الدليل الآخر ما قاله في الأول فلا يجد أمراً إلا اليمين، فكذلك النبي ﷺ أقام البراهين وقالت الكفرة ﴿ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد أباؤكم﴾ (سبأ: ٤٣)
﴿وقالوا ما هذا إلا أفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين﴾ (سبأ: ٤٣)
فالتمسك بالأيمان لعدم فائدة الدليل.
(٩/١٣٣)


الصفحة التالية
Icon