وقال الفراء: معناه حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله كقوله تعالى ﴿ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك﴾ (الإسراء: ٢٩)
معناه: ولا تمسكها عن النفقة، ومناسبة هذا لما تقدم أن قوله تعالى ﴿فهم لا يؤمنون﴾ يدخل فيه أنهم لا يصلون لقوله تعالى ﴿وما كان الله ليضيع إيمانكم﴾ (البقرة: ١٤٣)
أي: صلاتكم عند بعض المفسرين والزكاة مناسبة للصلاة فكأنه قال: لا يصلون ولا يزكون، واختلف في عود الضمير في قوله تعالى ﴿فهي إلى الأذقان﴾ على وجهين: أشهرهما: أنه عائد على الأغلال؛ لأنها هي المحدث عنها، ومعنى هذا الترتيب بالفاء أن الغل لغلظه وعرضه يصل إلى الذقن؛ لأنه يلبس العنق جميعه، قال الزمخشري: والمعنى أنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً ثقالاً بحيث تبلغ إلى الأذقان فلم يتمكن المغلول معها من أن يطأطئ رأسه.
ثانيهما: أن الضمير يعود إلى الأيدي، وإليه ذهب الطبري وعليه جرى الجلال المحلي؛ لأن الغل لا يكون إلا في العنق واليدين، ودل على الأيدي وإن لم تذكر الملازمة المفهومة من هذه الآلة أعني الغل. وقرأ قالون وأبو عمرو والكسائي بسكون الهاء، والباقون بكسرها والأذقان جمع ذقن وهو مجمع اللحيين ﴿فهم مقمحون﴾ أي: رافعون رؤوسهم غاضون أبصارهم في أنهم لا يلتفتون لفتة إلى الحق، ولا يعطفون أعناقهم نحوه ولا يطأطؤن رؤوسهم له، والإقماح رفع الرأس إلى فوق كالإقناع وهو من قمح البعير رأسه إذا رفعها بعد الشرب إما لبرودة الماء، وإما لكراهة طعمه.
ولما كان الرافع رأسه غير ممنوع من النظر أمامه قال تعالى:
﴿وجعلنا﴾ أي: بعظمتنا ﴿من بين أيديهم﴾ أي: الوجه الذي يمكنهم عمله ﴿سداً﴾ فلا يسلكون طريق الاهتداء.
(٩/١٣٦)