﴿قال﴾ واستعطفهم بقوله تعالى: ﴿يا قوم﴾ وأمرهم بمجاهدة النفوس بقوله ﴿اتبعوا المرسلين﴾ أي: في عبادة الله تعالى وحده، فجمع بين إظهار دينه وإظهار النصيحة فقوله ﴿اتبعوا﴾ النصيحة وقوله ﴿المرسلين﴾ إظهار إيمانه، وقدم إظهار النصيحة على إظهار الإيمان؛ لأنه كان ساعياً في النصيحة، وأما الإيمان فكان قد آمن من قبل وقوله ﴿يسعى﴾ دل على إردته النصح.
فإن قيل: ما الفرق بين مؤمن آل فرعون حيث قال: ﴿اتبعون أهدكم﴾ (غافر: ٣٨)
وهذا قال: ﴿اتبعوا المرسلين﴾؟ أجيب: بأن هذا الرجل جاءهم وفي أول مجيئه نصحهم ولم يعلموا سيرته فقال: اتبعوا هؤلاء الذين أظهروا لكم الدليل وأوضحوا لكم السبيل، وأما مؤمن آل فرعون فكان فيهم ونصحهم مراراً فقال: اتبعوني في الإيمان بموسى وهرون عليهما السلام، واعلموا أنه لو لم يكن خيراً لما اخترته لنفسي وأنتم تعلمون أني اخترته ولم يكن الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يعلمون اتباعه لهم.
ولما قال لهم: اتبعوا المرسلين كأنهم منعوا كونهم مرسلين فنزل درجة وقال:
﴿اتبعوا من لا يسألكم أجراً﴾ أي: أجرة؛ لأن الخلق في الدنيا سالكون طريق الاستقامة، والطريق إذا كان فيه دليل وجب اتباعه وعدم الاستماع من الدليل لا يحسن إلا عند أحد أمرين: إما لطلب الدليل الأجرة، وإما: لعدم الاعتماد على اهتدائه ومعرفة الطريق لكن هؤلاء لا يطلبون أجرة ﴿وهم مهتدون﴾ عالمون بالطريق المستقيم الموصلة إلى الحق فهب أنهم ليسوا بمرسلين أليسوا بمهتدين؟ فاتبعوهم وقوله تعالى:
(٩/١٤٩)


الصفحة التالية
Icon