ولما أقام الأدلة ولم يبق لأحد تخلف عنه عله صرح بما لوح إليه من إيمانه بقوله:
﴿إني آمنت﴾ أي: أوقعت التصديق الذي لا تصديق في الحقيقة غيره، وفتح الياء نافع وابن كثير وأبو عمرو، وسكنها الباقون، واختلف في المخاطب بقوله ﴿بربكم﴾ على أوجه أحدها: أنه خاطب المرسلين قال المفسرون: أقبل القوم عليه يريدون قتله فأقبل هو على المرسلين قال ﴿إني آمنت بربكم فاسمعون﴾ أي: اسمعوا قولي واشهدوا لي، وثانيها: هم الكفار لما نصحهم وما نفعهم قال ﴿آمنت بربكم فاسمعون﴾ وثالثها: بربكم أيها السامعون فاسمعون على العموم كقول الواعظ: يا مسكين ما أكثر أملك يريد: كل سامع يسمعه فلما قال ذلك وثب القوم عليه وثبة رجل واحد فقتلوه وقال ابن مسعود: وطئوه بأرجلهم، وقال السدي: كانوا يرمونه بالحجارة وهو يقول: اللهم اهد قومي حتى قطعوه وقتلوه وقال الحسن: خرقوا خرقاً في حلقه فعلقوه في سور المدينة وقبره بأنطاكية مشهور رضي الله تعالى عنه.
تنبيه: في قوله ﴿فاسمعون﴾ فوائد: منها: أنه كلام متفكر حيث قال: اسمعوا فإن المتكلم إذا كان يعلم أن لكلامه جماعة سامعين يتفكر، ومنها: أن ينبه القوم ويقول: إني أخبرتكم بما فعلت حتى لا تقولوا لم أخفيت عنا أمرك ولو أظهرته لآمنا معك، فإن قيل: إنه قال من قبل ﴿ومالي لا أعبد الذي فطرني﴾ وقال ههنا: ﴿آمنت بربكم﴾ ولم يقل: آمنت بربي؟ أجيب: بأنا إن قلنا: الخطاب مع الرسل فالأمر ظاهر؛ لأنه لما قال ﴿آمنت بربكم﴾ ظهر عند الرسل أنه قبل قولهم وآمن بالرب الذي دعوه إليه وقال ﴿بربكم﴾ وإن قلنا الخطاب مع الكفار ففيه بيان التوحيد؛ لأنه لما قال ﴿أعبد الذي فطرني﴾ ثم قال ﴿آمنت بربكم﴾ فهم أنه يقول: ربي وربكم واحد وهو الذي فطرني وهو بعينه ربكم بخلاف ما لو قال: آمنت بربي فيقول الكافر: وأنا أيضاً آمنت بربي.
(٩/١٥٢)