ومن الأدلة الحسية أن السماء لو كانت مستوية لكان ارتفاع أول النهار ووسطه وآخره مستوياً، وليس كذلك وذكر غير ذلك من الأدلة وفي هذا كفاية، ولما ذكر لها فعل العقلاء من كونها على نظام محرر لا يختل وسير مقدر لا يعوج ولا ينحل جمعها جمعهم بقوله تعالى: ﴿يسبحون﴾ وقال المنجمون: قوله تعالى ﴿يسبحون﴾ يدل على أنها أحياء؛ لأن ذلك لا يطلق إلا على العاقل قال الرازي: إن أرادوا القدر الذي يكون منه التسبيح فنقول به؛ لأن كل شيء يسبح بحمده وإن أرادوا شيئاً آخر فلم يثبت ذلك والاستعمال لا يدل كما في قوله تعالى في حق الأصنام ﴿ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون﴾ (الصافات: ٩١ ـ ٩٢)
ولما ذكر سبحانه وتعالى ما حد له حدوداً في السباحة في وجه الفلك ذكر ما هيأ به من الفلك للسباحة على وجه الماء بقوله تعالى:
(٩/١٦٤)
﴿وآية لهم﴾ أي: على قدرتنا التامة ﴿أنا﴾ أي: على ما لنا من العظمة ﴿حملنا ذريتهم﴾ أي: آباءهم الأصول، قال البغوي: واسم الذرية يقع على الآباء كما يقع على الأولاد والألف واللام في قوله تعالى ﴿في الفلك﴾ للتعريف أي: فلك نوح عليه الصلاة والسلام وهو مذكور في قوله تعالى ﴿واصنع الفلك بأعيننا﴾ (هود: ٣٧)
(٩/١٦٥)
وهو معلوم عند العرب ثم وصف الفلك بقوله تعالى: ﴿المشحون﴾ أي: الموقر المملوء حيواناً وناساً وهو يتقلب في تلك المياه التي لم ير أحد قط مثلها ولا يرى أيضاً ومع ذلك فسلمها الله تعالى، وأيضاً الآدمي يرسب في الماء ويغرق فحمله في الفلك وقع بقدرته تعالى لكن من الطبيعيين من يقول: الخفيف لا يرسب؛ لأنه يطلب جهة فوق فقال ﴿الفلك المشحون﴾ أثقل من الثقال التي ترسب ومع هذا حمل الله الإنسان فيه مع ثقله.
وقال أكثر المفسرين: إن الذرية لا تطلق إلا على الولد وعلى هذا فالمراد: إما أن يكون الفلك المعين الذي كان لنوح عليه الصلاة والسلام وإما أن يكون المراد الجنس كقوله تعالى ﴿وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون﴾ (الزخرف: ١٢)