﴿وما تأتيهم من آية من آيات ربهم﴾ أي: المحسن إليهم ﴿إلا كانوا﴾ أي: مع كونها من عند من غمرهم إحسانه وعمهم فضله وامتنانه ﴿عنها معرضين﴾ أي: دائماً إعراضهم.
﴿وإذا قيل لهم﴾ أي: من أي: قائل كان ﴿أنفقوا﴾ أي: على من لا شيء له شكراً لله على ما أعطاكم قال ﷺ «هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم» «إنما يرحم الله تعالى من عباده الرحماء».
(٩/١٦٩)
وبين تعالى أنهم يبخلون بما لا صنع لهم فيه بقوله تعالى: ﴿مما رزقكم الله﴾ أي: مما أعطاكم الله الذي له جميع صفات الكمال ﴿قال الذين كفروا﴾ أي: ستروا وغطوا ما دلهم عليه أنوار عقولهم من الخيرات ﴿للذين آمنوا﴾ أي: استهزاء بهم ﴿أنطعم من لو يشاء الله﴾ أي: الذي له جميع العظمة كما زعمتم في كل وقت يريده ﴿أطعمه﴾ وذلك أن المؤمنين قالوا لكفار مكة: أنفقوا على المساكين مما زعمتم من أموالكم أنه لله سبحانه وتعالى، وهو ما جعلوه لله من حروثهم وأموالهم قالوا ﴿أنطعم من لو يشاء الله أطعمه﴾ لكنا ننظره لا يشاء ذلك، فإنه لم يطعمهم مما ترى من فقرهم فنحن أيضاً لا نشاء ذلك موافقة لمراد الله تعالى فيه فتركوا لتأدب مع الأمر وأظهروا التأدب مع بعض إرادة الله المنهي عن الجري معها والاستسلام لها، وهذا مما يتمسك به البخلاء يقولون: لا نعطي من حرمه الله تعالى وهذا الذي يزعمونه باطل؛ لأن الله تعالى أغنى بعض الخلق وأفقر بعضهم ابتلاء فمنع الدنيا عن الفقير لا بخلاً وأمر الغني بالإنفاق لا حاجة إلى ماله ولكن ليبلوا الغني بالفقير فيما فرض له في مال الغني، فلا اعتراض لأحد في مشيئة الله وحكمه في خلقه وما كفاهم حتى قالوا لمن أرشدهم إلى الخير ﴿إن﴾ أي: ما ﴿أنتم إلا في ضلال﴾ أي: محيط بكم ﴿مبين﴾ أي: في غاية الظهور وما دروا أن الضلال إنما هو لهم.


الصفحة التالية
Icon