﴿سلام﴾ أي: عظيم جداً عليكم يا أهل الجنة والسلام يجمع جميع النعم ثم بين هذا السلام بما أظهر من عظمه بقوله ﴿قولاً من رب﴾ أي: دائم الإحسان ﴿رحيم﴾ أي: عظيم الإكرام بما ترضاه الإلهية كما كانوا في الدنيا يفعلون كل ما فيه الرضا فيرحمهم في حال السلام وسماع الكلام بلذّة الرؤية مع التقوية على الدهش والضعف لعظيم الأمر وبالتأهيل لهذا المقام الأكرم مع قصورهم عنه.
روى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ «بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب عز وجل قد أشرف عليهم من فوقهم فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم فيبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم»، وقيل: تسلم عليهم الملائكة من ربهم لقوله تعالى ﴿والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم﴾ (الرعد: ٢٣ ـ ٢٤)
أي: يقولون: سلام عليكم يا أهل الجنة من ربكم الرحيم وقيل: يعطيهم السلامة الأبدية.
ولما ذكر ما للمؤمنين من النعيم ذكر ما للكافرين من الجحيم بقوله تعالى:
﴿وامتازوا﴾ أي: ويقال للمجرمين امتازوا أي: انفردوا ﴿اليوم أيها المجرمون﴾ عن المؤمنين عند اختلاطهم بهم قال الضحاك: لكل كافر في النار بيت يدخل ذلك البيت فيردم بابه بالنار فيكون فيه أبد الآبدين لا يرى ولا يرى، وقيل: إن قوله تعالى ﴿وامتازوا﴾ أمر تكوين فحين يقول ﴿امتازوا اليوم﴾ فيميزون بسيماهم ويظهر على جباههم وفي وجوههم سواد كما قال تعالى ﴿يعرف المجرمون بسيماهم﴾ (الرحمن: ٤١)
ولما أمروا بالامتياز وشخصت منهم الأبصار وكلحت الوجوه وتنكست الرؤوس قال تعالى موبخاً لهم:
﴿ألم أعهد إليكم﴾ أي: أوصيكم إيصاء عظيماً بما نصبت من الأدلة ومنحت من العقول وبعثت من الرسل عليهم الصلاة والسلام وأنزلت من الكتب في بيان الطريق الموصل إلى النجاة.
(٩/١٧٩)


الصفحة التالية
Icon