فاتفاقي من غير تكلف وقصد منه إلى ذلك وقد يقع مثله كثيراً في تضاعيف المنثورات على أن الخليل ما عد المشطور من الرجز شعراً، هذا وقد روى أنه حرك الباءين في قوله: أنا النبي لا كذب وكسر التاء الأولى بلا إشباع وسكن الثانية من قوله هل أنت إلا إصبع إلخ.
وقيل: الضمير للقرآن أي: وما يصح أن يكون القرآن شعراً، فإن قيل: لم خص الشعر بنفي التعليم مع أن الكفار كانوا ينسبون إلى النبي ﷺ أشياء من جملتها السحر والكهانة ولم يقل: وما علمناه السحر وما علمناه الكهانة؟ أجيب: بأن الكهانة إنما كانوا ينسبون النبي ﷺ إليها عندما كان يخبر عن الغيوب وتكون كما يقول وأما السحر فكانوا ينسبونه إليه عندما كان يفعل ما لا يقدر عليه الغير كشق القمر وتكليم الجذع والحجر وغير ذلك، وأما الشعر فكانوا ينسبونه إليه عندما كان يتلو القرآن عليهم لكنه ﷺ ما كان يتحدى إلا بالقرآن كما قال تعالى ﴿إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله﴾ (البقرة: ٢٣)
إلى غير ذلك ولم يقل: إن كنتم في شك من رسالتي فأخبروا بالغيوب أو أشبعوا الخلق الكثير بالشيء اليسير. فلما كان تحديه ﷺ بالكلام وكانوا ينسبونه إلى الشعر عند الكلام خص الشعر بنفي التعليم.
وما نفى أن يكون ما أتى به من جنس الشعر قال تعالى:
﴿إن﴾ أي: ما ﴿هو﴾ أي: هذا الذي آتاكم به ﴿إلا ذكر﴾ أي: شرف وموعظة ﴿وقرآن﴾ أي: جامع للحكم كلها دنيا وأخرى يتلى في المحاريب ويكرر في المتعبدات وينال بتلاوته والعمل به فوز الدارين والنظر إلى وجه الله العظيم ﴿مبين﴾ أي: ظاهر أنه ليس من كلام البشر لما فيه من الإعجاز ﴿قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين إن هو إلا ذكر للعالمين﴾ (ص: ٨٦)
كلهم ذكيهم وغبيهم بخلاف الشعر فإنه مع نزوله عن بلاغته جداً إنما ذكر للأذكياء جداً وقوله تعالى:
(٩/١٩١)


الصفحة التالية
Icon