والشاهد في قوله: ولا أملك رأس البعير أي: لا أضبطه والمعنى: لم نخلق الأنعام وحشية نافرة من بني آدم لا يقدرون على ضبطها بل خلقناها مذللة كما قال تعالى:
﴿وذللناها لهم﴾ أي: يسرنا قيادها ولو شئنا جعلناها وحشية كما جعلنا أصغر منها وأضعف، فمن قدر على تذليل الأشياء الصعبة جداً لغيره قادر على تطويع الأشياء لنفسه ثم سبب عن ذلك قوله تعالى ﴿فمنها ركوبهم﴾ أي: ما يركبون وهي الإبل؛ لأنها أعظم مركوباتهم لعموم منافعها في ذلك وكثرتها ﴿ومنها يأكلون﴾ أي: ما يأكلون لحمه.
ولما أشار إلى عظمة نفع الركوب والأكل بتقديم الجار وكانت منافعها لغير ذلك كثيرة قال تعالى:
(٩/١٩٤)
﴿ولهم فيها منافع﴾ أي: من أصوافها وأوبارها وأشعارها وجلودها ونسلها وغير ذلك ﴿ومشارب﴾ أي: من ألبانها جمع مشرب بالفتح، وخص الشرب من عموم المنافع بعموم نفعه وجمعه لاختلاف طعوم ألبان الأنواع الثلاثة، ولما كانت هذه الأشياء من العظمة بمكان لو فقدها الإنسان لتكدرت معيشته تسبب عنها استئناف الإنكار عليهم في تخلفهم عن طاعته بقوله تعالى: ﴿أفلا يشكرون﴾ أي: المنعم عليهم بها فيؤمنون. ولما ذكرهم تعالى نعمه وحذرهم نقمه عجب منهم في سفول نظرهم وقبح أثرهم بقوله تعالى موبخاً لهم:
﴿واتخذوا من دون﴾ أي: غير ﴿الله﴾ الذي له جميع صفات الكمال والعظمة ﴿آلهة﴾ أي: أصناماً يعبدونها بعدما رأوا منه تعالى تلك القدرة الباهرة والنعم المتظاهرة وعلموا أنه المنفرد بها ﴿لعلهم ينصرون﴾ أي: رجاء أن ينصروهم فيما أحزنهم من الأمور والأمر بالعكس كما قال تعالى:


الصفحة التالية
Icon