وفي هذا تسلية ثانية بتهوين ما يقولونه بالنسبة إلى إنكارهم الحشر وفيه تقبيح بليغ لإنكاره، حيث تعجب منه وجعله إفراطاً في الخصومة بيناً ومنافاته لجحود القدرة على ما هو أهون مما علمه في بدء خلقه ومقابلة النعمة التي لا مزيد عليها وهي خلقه من أخس شيء وأمهنه شريفاً مكرماً بالعقوق والتكذيب.
(٩/١٩٦)
﴿وضرب﴾ أي: هذا الإنسان ﴿لنا﴾ أي: على ما يعلم من عظمتنا ﴿مثلاً﴾ أي: أمراً عجيباً وهو نفي القدرة على إحياء الموتى، روي: «أن أبي بن خلف الجمحي وهو الذي قتله النبي ﷺ بأحد مبارزة، أتى النبي ﷺ بعظم بال يفتته بيده فقال: أترى الله يحيي هذا بعدما رم؟ فقال ﷺ نعم ويبعثك ويدخلك النار» فنزلت. وقيل: هو العاصي بن وائل قاله الجلال المحلي وأكثر المفسرين على الأول﴿ونسي﴾ أي: هذا الذي تصدى على مهانة أصله لمخاصمة الجبار ﴿خلقه﴾ أي: بدء أمره من المني وهو أغرب من مثله، والنسيان هنا يحتمل أن يكون بمعنى الذهول وأن يكون بمعنى الترك، ثم استأنف الإخبار عن هذا المثل بأن ﴿قال﴾ أي: على طريق الإنكار ﴿من يحيي العظام وهي رميم﴾ أي: صارت تراباً تمرّ مع الرياح ورميم قال البيضاوي: بمعنى فاعل من رم الشيء صار اسماً بالغلبة ولذلك لم يؤنث، أو اسم مفعول من رممته، وفيه دليل على أن العظم ذو حياة فيؤثر فيه الموت كسائر الأعضاء ا. ه. قال البغوي: ولم يقل: رميمة؛ لأنه معدول عن فاعله فكل ما كان معدولاً عن وجهه ووزنه كان مصروفاً عن إعرابه كقوله تعالى ﴿وما كانت أمك بغيا﴾ (مريم: ٢٨)
أسقط الهاء؛ لأنها مصروفة عن باغية.
تنبيه: هذه الآية وما بعدها إشارة إلى بيان الحشر؛ لأن المنكرين للحشر منهم من لم يذكر فيه دليلاً ولا شبهة بل اكتفى بمجرد الاستبعاد وهم الأكثرون ﴿أءذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد﴾ (السجدة: ١٠)
﴿أءذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون﴾ (المؤمنون: ٨٢)
(٩/١٩٧)


الصفحة التالية
Icon