﴿أوليس الذي خلق﴾ أي: أوجد من العدم ﴿السموات والأرض﴾ أي: على كبرهما وعظم ما فيهما من المنافع والمصانع والعجائب والبدائع، وأثبت الجار تحقيقاً للأمر وتأكيداً للتقرير فقال تعالى ﴿بقادر على أن يخلق مثلهم﴾ أي: مثل هؤلاء الأناسي في الصغر أي: يعيدهم بأعيانهم، وقيل: الضمير يعود على السموات والأرض لتضمنهم من يعقل والأول أظهر؛ لأنهم المخاطبون وقوله تعالى ﴿بلى﴾ جواب ليس وإن دخل عليها الاستفهام المصير لها إيجاباً أي: هو قادر على ذلك أجاب نفسه تعالى ﴿وهو﴾ مع ذلك أي: مع كونه عالماً بالخلق ﴿الخلاق﴾ أي: الكثير الخلق ﴿العليم﴾ أي: البالغ في العلم الذي هو منشأ القدرة فلا يخفى عليه كلي ولا جزئي في ماض ولا حال ولا مستقبل شاهد أو غائب.
ولما تقرر ذلك أنتج قوله تعالى مؤكداً لأجل إنكارهم القدرة على البعث:
﴿إنما أمره﴾ أي: شأنه ووصفه ﴿إذا أراد شيئاً﴾ أي: خلق شيء من جوهر أو عرض أي شيء كان ﴿أن يقول له كن﴾ أي: أن يريده ﴿فيكون﴾ أي: يحدث وهو تمثيل لتأثير قدرته في مراده بأمر المطاع للمطيع في حصول المأمور من غير امتناع وتوقف وافتقار إلى مزاولة عمل واستعمال آلة قطعاً لمادة الشبهة وهو قياس قدرة الله تعالى على قدرة الخلق، وقرأ ابن عامر والكسائي بنصب النون عطفاً على يقول، والباقون بالرفع أي: فهو يكون.
ولما كان ذلك تسبب عنه المبادرة إلى تنزيهه تعالى عما ضربوه له من الأمثال فلذلك قال:
﴿فسبحان﴾ أي: تنزه عن كل شائبة نقص تنزهاً لا يبلغ أفهامكم كنهه وعدل عن الضمير إلى وصف يدل على غاية العظمة فقال ﴿الذي بيده﴾ أي: قدرته وتصرفه خاصة لا بيد غيره ﴿ملكوت كل شيء﴾ أي: ملكه التام وملكه ظاهراً وباطناً.
(٩/٢٠٠)


الصفحة التالية
Icon