﴿قالوا ابنوا له بنياناً﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما: بنوا حائطاً من الحجر طوله في السماء ثلاثون ذراعاً وعرضه عشرون ذراعاً وملؤوه ناراً فطرحوه فيها وذلك هو قوله تعالى ﴿فألقوه في الجحيم﴾ وهي النار العظيمة قال الزجاج: كل نار بعضها فوق بعض فهي جحيم.
﴿فأرادوا به كيداً﴾ أي: شراً بإلقائه في النار لتهلكه ﴿فجعلناهم الأسفلين﴾ أي: المقهورين الأذلين بإبطال كيدهم وجعلنا ذلك برهاناً نيراً على علو شأنه حيث جعلنا النار عليه برداً وسلاماً وخرج منها سالماً.
﴿وقال إني ذاهب إلى ربي﴾ أي: إلى حيث أمرني ربي ونظيره قوله تعالى ﴿وقال إني مهاجر إلى ربي﴾ (العنكبوت: ٢٦)
أي: مهاجر إليه من دار الكفر ﴿سيهدين﴾ أي: إلى ما فيه صلاح ديني أو إلى مقصدي وهو الشام، وإنما بتّ القول لسبق وعده ولفرط توكله أو للبناء على عادته تعالى معه ولم يكن كذلك حال موسى عليه السلام حيث قال ﴿عسى ربي أن يهديني سواء السبيل﴾ (القصص: ٢٢)
فلذلك ذكر بصيغة التوقع.
ولما وصل إلى الأرض المقدسة قال:
﴿رب هب لي من الصالحين﴾ أي: هب لي ولداً صالحاً يعينني على الدعوة والطاعة ويؤنسني في الغربة؛ لأن لفظ هب غلب في الولد وإن كان قد جاء في الأخ في قوله تعالى ﴿ووهبنا له من رحمتنا أخاه هرون نبياً﴾ (مريم: ٥٣)
قال الله تعالى:
﴿فبشرناه بغلام حليم﴾ أي: ذي حلم كثير في كبره غلام في صغره، ففيه بشارة بأنه ابن وأنه يعيش وينتهي إلى سن يوصف بالحلم وأي حلم أعظم من أنه عرض عليه أبوه الذبح وهو مراهق فقال: ﴿ستجدني إن شاء الله من الصابرين﴾ (الصافات: ١٠٢)
وقيل: ما وصف الله تعالى نبياً بالحلم لعزة وجوده غير إبراهيم وابنه اسماعيل عليهما الصلاة والسلام وحالتهما المذكورة تشهد عليه.
(٩/٢٣٨)


الصفحة التالية
Icon