﴿وإن جندنا﴾ أي: المؤمنين ﴿لهم الغالبون﴾ أي: الكفار، والنصرة والغلبة قد تكون بالحجة وقد تكون بالدولة والاستيلاء، وقد تكون بالدوام والثبات، فالمؤمن وإن صار مغلوباً في بعض الأوقات بسبب ضعف أحوال الدنيا فهو الغالب في الآخرة، فالحكم في ذلك للأغلب في الدنيا فلا ينافي ذلك قتل بعض الأنبياء عليهم السلام وهزم كثير من المؤمنين، وإنما سمى ذلك كلمة وهي كلمات لانتظامها في معنى واحد.
﴿فتول عنهم﴾ أي: أعرض عن كفار مكة، واختلف في قوله تعالى: ﴿حتى حين﴾ فقال ابن عباس: يعني الموت، وقال مجاهد: يوم بدر، وقال السدي: حتى يأمرك الله تعالى بالقتال، وقيل: إلى أن يأتيهم عذاب الله، وقيل: إلى فتح مكة، وقال مقاتل بن حبان: نسختها آية القتال.
﴿وأبصرهم﴾ أي: إذا نزل بهم العذاب من القتل والأسر في الدنيا والعذاب في الآخرة، ﴿فسوف يبصرون﴾ أي: ما قضيناه لك من التأييد والنصرة والثواب في الآخرة وسوف للوعيد لا للتبعيد.
ولما قيل لهم ذلك قالوا استهزاء: متى نزول العذاب؟ فقال تعالى تهديداً لهم:
﴿أفبعذابنا يستعجلون﴾ أي: إن ذلك الاستعجال جهل؛ لأن لكل شيء من أفعال الله تعالى وقتاً معيناً لا يتقدم ولا يتأخر.
(٩/٢٦٩)
﴿فإذا نزل﴾ أي: العذاب ﴿بساحتهم﴾ قال مقاتل: بحضرتهم، وقيل: بفنائهم، قال الفراء: العرب تكتفي بذكر الساحة عن القوم فشبه العذاب بجيش هجم فأناخ بفنائهم بغتة ﴿فساء﴾ أي: فبئس صباحاً ﴿صباح المنذرين﴾ أي: الكافرين الذين أنذروا بالعذاب، وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: «أن رسول الله ﷺ حين خرج إلى خيبر أتاها ليلاً وكان إذا جاء قوماً بليل لم يغر حتى يصبح، فلما أصبح خرجت يهود بمساحيها ومكاتلها، فلما رأوه قالوا: محمد والله محمد والخميس، فقال رسول الله ﷺ «الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين قالها ثلاث مرات» وقوله تعالى: