أي: نبوة ربك ﴿العزيز﴾ أي: الغالب الذي لا يغلبه أحد ﴿الوهاب﴾ الذي له أن يهب كل ما يشاء من النبوة أو غيرها لمن يشاء من خلقه.
ولما كانت خزائن الله تعالى غير متناهية كما قال تعالى: ﴿وإن من شيء إلا عندنا خزائنه﴾ (الجن: ٢١)
ومن جملته السموات والأرض وما بينهما وهم عاجزون عن هذا القسم قال الله تعالى:
﴿أم لهم ملك السموات والأرض وما بينهما﴾ أي: ليس لهم ذلك فلأن يكونوا عاجزين عن كل خزائن الله تعالى أولى، وقوله تعالى: ﴿فليرتقوا في الأسباب﴾ جواب شرط محذوف أي: إن كان لهم ذلك فليصعدوا في المعارج التي يتوصل بها إلى العرش حتى يستووا عليه ويدبروا أمر العالم فينزلوا الوحي إلى من يريدونه وهذا غاية التهكم بهم والتعجيز أو التوبيخ، قال مجاهد: أراد بالأسباب أبواب السماء وطرقها من سماء إلى سماء وكل ما يوصلك إلى شيء من باب أو طريق فهو سبب واستدل حكماء الإسلام بقوله تعالى: ﴿فليرتقوا في الأسباب﴾ على أن الأجرام الفلكية وما أودع الله تعالى فيها من القوى والخواص أسباب لحوادث العالم السفلي لأن الله تعالى سمى الفلكيات: أسباباً وهذا يدل على ذلك وقوله تعالى:
﴿جُندٌ ما هنالك مهزوم من الأحزاب﴾ خبر مبتدأ مضمر أي: هم قريش جند من الكفار المتحزبين على الرسل عليهم السلام، مهزوم: مكسور عما قريب، فمن أين لهم تدبير الإلهية والتصرف في الأمور الربانية، فلا تكترث بما تقوله قريش، قال قتادة: أخبر الله تعالى نبيه محمداً ﷺ وهو بمكة أنه سيهزم جند المشركين، فقال تعالى: ﴿سيهزم الجمع ويولون الدبر﴾ (القمر: ٤٥)
فجاء تأويلها يوم بدر وهنالك إشارة إلى بدر ومصارعهم، وقيل: يوم الخندق، قال الرازي: والأصح عندي حمله على يوم فتح مكة لأن المعنى أنهم جند سيصيرون مهزومين في الموضع الذي ذكروا فيه هذه الكلمات وذلك الموضع هو مكة فوجب أن يكون المراد أنهم سيصيرون مهزومين في مكة وما ذاك إلا في يوم الفتح.
(٩/٢٧٨)