وهذا بناء مغالبة كما يقال: قتال وضراب وهو أبلغ من قاتل وضراب وقال ابن عباس: مطيع، وقال سعيد بن جبير: مسبح بلغة الحبشة، ويؤيد هذا قوله تعالى:
(٩/٢٨٣)
﴿إنا﴾ أي: على ما لنا من العظمة التي لا يعجزها شيء ﴿سخرنا الجبال﴾ أي: التي هي أقسى من قلوب قومك وأنها أعظم الأراضي صلابة وقوةً وعلواً ورفعةً بأن جعلناها منقادة ذلولاً كالجمل الأنف، ثم قيد ذلك بقوله تعالى: ﴿معه﴾ أي: مصاحبة له ﴿يسبحن﴾ أي: بتسبيحه وفي كيفية تسبيحها وجوه أحدها: أن الله تعالى يخلق في جسم الجبل حياة وعقلاً وقدرة ونطقاً وحينئذ يصير الجبل مسبحاً لله تعالى، ثانيها: قال القفال: إن داود عليه السلام أوتي من شدة الصوت وحسنه ما كان له في الجبال دوي حسن وما يصغي الطير إليه لحسنه فيكون دوي الجبال وتصويت الطير معه وإصغاؤها إليه تسبيحاً. روى محمد بن إسحاق أن الله تعالى لم يعط أحداً من خلقه مثل صوت داود عليه السلام حتى أنه كان إذا قرأ الزبور دنت منه الوحوش حتى يؤخذ بأعناقها، ثالثها: أن الله تعالى سخر الجبال حتى أنها كانت تسير إلى حيث يريده داود عليه السلام فجعل ذلك السير تسبيحاً لأنه يدل على كمال قدرته تعالى واتقان حكمته ﴿بالعشي والإشراق﴾ قال الكلبي: غدوةً وعشياً، والإشراق هو أن تشرق الشمس ويتناهى ضوءها، قال الزجاج: يقال: شرقت الشمس، إذا طلعت، وأشرقت إذا أضاءت، وقيل: هما بمعنى واحد والأول أكثر استعمالاً، تقول العرب: شرقت الشمس ولما تشرق، وفسره ابن عباس بصلاة الضحى قال ابن عباس: كنت أمر بهذه الآية ولم أدر ما هي حتى حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب: «أن رسول الله ﷺ دخل عليها فدعا بوضوء فتوضأ ثم صلى الضحى وقال: يا أم هانئ هذه صلاة الإشراق»، وروى طاوس عن ابن عباس قال: هل تجدون ذكر صلاة الضحى في القرآن قالوا: لا فقرأ إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق. وقوله تعالى:
(٩/٢٨٤)


الصفحة التالية
Icon