قال الرازي: وللناس في هذه القصة ثلاثة أحوال؛ أحدها: أن هذه القصة دلت على صدور الكبيرة منه، وثانيها: على الصغيرة، وثالثها: لا تدل على كبيرة ولا صغيرة، فأما القول الأول فقالوا: إن داود عليه السلام أحب امرأة أوريا فاحتال في قتل زوجها ثم تزوج بها ثم أرسل الله تعالى ملكين في صورة المتخاصمين في واقعة تشبه واقعته وعرضا تلك الواقعة عليه، فحكم داود بحكم لزم منه اعترافه بكونه مذنباً ثم تنبه لذلك واشتغل بالتوبة، قالوا: وسبب ذلك أن داود عليه السلام تمنى يوماً من الأيام منزلة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب وسأل ربه: أن يمتحنه كما امتحنهم ويعطيه من الفضل ما أعطاهم فأوحى الله تعالى إليه أنك تبتلى في يوم كذا فاحترس، فلما كان ذلك اليوم جاءه الشيطان فتمثل له في صورة حمامة من ذهب فيها من كل لون حسن فأعجبه حسنها فمد يده ليأخذها ويريها بني إسرائيل لينظروا إلى قدرة الله تعالى فطارت غير بعيدة فتبعها فطارت من كوة، فنظر داود أين تقع فأبصر داود امرأة في بستان تغتسل فعجب داود من حسنها وحانت منها التفاتة فأبصرت ظله فنقضت شعرها فغطى بدنها فزاده إعجاباً، فسأل عنها فقيل له: امرأة أوريا وزوجها في غزاة فأحب داود أن يقتله ويتزوج بها، فأرسل داود إلى ابن أخته أن قدم أوريا قبل التابوت وكان من قدم على التابوت لا يحل أن يرجع وراءه حتى يفتح الله تعالى على يديه أو يقتل، فقدمه ففتح على يديه فكتب إلى داود فأمر أن يقدمه بعد ذلك ففعل ثلاث مرات فقتل في الثالثة فلما انقضت عدتها تزوج بها فهي أم سليمان عليهما السلام.
قال الرازي: والذي أدين الله تعالى به وأذهب إليه أن ذلك باطل لوجوه.
الأول: أن هذه الحكاية لا تناسب داود لأنها لو نسبت إلى أفسق الناس وأشدهم فجوراً لانتفى منها والذي نقل هذه القصة لو نسب إلى مثل هذا العمل لبالغ في تنزيه نفسه وربما لعن من نسبه إليها فكيف يليق بالعاقل نسبة المعصية إلى داود عليه السلام.
(٩/٢٩٢)


الصفحة التالية
Icon