أحدهما: جعلناك تخلف من تقدمك من الأنبياء في الدعاء إلى الله تعالى وفي سياسة الناس لأن خليفة الرجل من يخلفه وذلك إنما يعقل في حق من تصح عليه الغيبة وذلك على الله تعالى محال.
ثانيهما: إنا جعلناك ممكناً في الناس نافذ الحكم فيهم فبهذا التأويل يسمى خليفة ومنه يقال: خليفة الله تعالى في أرضه.
وحاصله: أن خليفة الرجل يكون نافذ الحكم في رعيته وحقيقة الخلافة ممتنعة في حق الله تعالى فلما امتنعت الحقيقة جعلت اللفظة للزوم نفاذ الحكم في تلك الحقيقة ﴿فاحكم بين الناس﴾ أي: الذين يتحاكمون إليك من أي قوم كانوا ﴿بالحق﴾ أي: بالعدل لأن الأحكام إذا كانت مطابقة للشريعة الحقة الإلهية انتظمت مصالح العالم واتسعت أبواب الخيرات وإذا كانت الأحكام على وفق الأهوية وتحصيل مقاصد الأنفس أفضى ذلك إلى تخريب العالم ووقوع الهرج فيه والمرج في الخلق وذلك يفضي إلى هلاك ذلك الحاكم ولهذا قال تعالى: ﴿ولا تتبع الهوى﴾ أي: لا تمل مع ما تشتهي إذا خالف أمر الله تعالى ثم سبب عنه قوله تعالى: ﴿فيضلك﴾ أي: ذلك الاتباع أو الهوى ﴿عن سبيل الله﴾ لأن متابعة الهوى توجب الضلال عن سبيل الله والضلال عن سبيل الله يوجب سوء العذاب ﴿إن الذين يضلون عن سبيل الله﴾ أي: عن الإيمان بالله تعالى ﴿لهم عذابٌ شديدٌ بما نسوا﴾ أي: بسبب نسيانهم ﴿يوم الحساب﴾ أي: المرتب عليه تركهم الإيمان ولو أيقنوا بيوم الحساب لآمنوا في الدنيا، وقال الزجاج: بتركهم العمل لذلك اليوم، وقال عكرمة والسدي: في الآية تقديم وتأخير تقديره لهم عذاب شديد يوم الحساب بما نسوا أي: تركوا القضاء بالعدل.
(٩/٢٩٧)
﴿وما خلقنا السماء﴾ التي ترونها ﴿والأرض وما بينهما﴾ أي: مما تحسون به من الرياح وغيرها خلقاً ﴿باطلاً﴾ أي: عبثاً قال الله تعالى: ﴿أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون﴾ (المؤمنون: ١١٥)
(٩/٢٩٨)


الصفحة التالية
Icon