وثانيها: أنه لو اشتغل بالخيل حتى غربت الشمس وفاتته صلاة العصر كان ذلك ذنباً عظيماً ومن كان هذا حاله فطريقه التضرع والبكاء والمبالغة في إظهار التوبة، فأما أن يقول على سبيل العظمة لرب العالمين مثل هذه الكلمة العارية عن كل جهات الأدب عقب ذلك الجرم العظيم الذي لا يصدر عن أبعد الناس عن الخير فكيف يجوز إسناده للرسول عليه السلام المطهر المكرم.
ثالثها: أن الشمس لو رجعت بعد الغروب لصار ذلك مشاهداً لكل أهل الدنيا ولو كان كذلك لتوفرت الدواعي على نقله وحيث لم ينقل علمنا فساده، انتهى. قال أكثر المفسرين: فلما ردوا الخيل إليه أقبل يضرب سوقها وأعناقها بالسيف أخذاً من قوله تعالى ﴿فطفق مسحاً﴾ أي: فأخذ يمسح السيف مسحاً ﴿بالسوق والأعناق﴾ أي: سوقها وأعناقها يقطعها من قولهم: مسح علاوته إذا ضرب عنقه، قالوا: فعل ذلك تقرباً إلى الله تعالى وطلباً لمرضاته حيث اشتغل عن طاعته وكان ذلك مباحاً له وإن كان حراماً علينا كما أبيح لنا ذبح بهيمة الأنعام وبقي منها مائة فرس فما بقي في أيدي الناس اليوم من الخيل من نسل تلك المائة.
قال الحسن: فلما عقر الخيل أبدله الله تعالى خيراً منها وأسرع وهي الريح تجري بأمره كيف شاء، قال الرازي: وهذا عندي بعيد لوجوه.
الأول: أنه لو كان مسح السوق والأعناق قطعها لكان معنى فامسحوا برؤوسكم أي: اقطعوها وهذا لا يقوله عاقل بل لو قيل: مسح رأسه بالسيف فربما فهم منه ضرب العنق أما إذا لم يذكر لفظ السيف لم يفهم منه البتة من المسح العقر والذبح.
(٩/٣٠٢)


الصفحة التالية
Icon