الرابع: لا يبعد أيضاً أن يقال: إنه ابتلاه الله تعالى بتسليط وقوع خوف أو وقوع بلاء توقعه من بعض الجهات حتى صار بقوة ذلك الخوف كالجسد الضعيف الخفي على ذلك الكرسي ثم إن الله تعالى أزال عنه ذلك الخوف وأعاده إلى ما كان عليه من القوة وطيب القلب، فاللفظ محتمل لهذه الوجوه ولا حاجة إلى حمله على تلك الوجوه الركيكة، فإن قيل: لولا تقدم الذنب.
لما ﴿قال رب اغفر لي﴾. أجيب: بأن الإنسان لا ينفك عن ترك الأفضل وحينئذ يحتاج إلى طلب المغفرة لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين، ولأنه أبدأ في مقام هضم النفس وإظهار الندم والخضوع كما قال ﷺ «إني لاستغفر الله تعالى في اليوم والليلة سبعين مرة» مع أنه ﷺ غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فلا يبعد أن يكون المراد من هذه الكلمة هذا المعنى واختلف في قول سليمان عليه السلام ﴿وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي﴾ أي: سواي نحو فمن يهديه من بعد الله أي: سوى الله فقال عطاء بن أبي رباح: يريد هب لي ملكاً لا تسلبنيه في باقي عمري ﴿إنك أنت الوهاب﴾ وقال مقاتل: إن الشيطان لما استولى على ملكه طلب أن يعطيه الله ملكاً لا يقدر الشيطان على أن يقوم فيه مقامه البتة وقال: من أنكر أن الشيطان لم يستول على ذلك أن ذلك محتمل لوجوه؛ الأول: أن الملك هو القدرة فكان المراد أقدرني على أشياء لا يقدر عليها غيري البتة ليصير اقتداري عليها معجزة تدل على صحة نبوتي ورسالتي ويدل على صحة هذا القول قوله تعالى:
(٩/٣١١)


الصفحة التالية
Icon