الرابع: سأل ذلك ليكون علامة على قبول توبته حيث أجاب الله تعالى دعاءه ورد عليه ملكه وزاده فيه، وعن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: «إن عفريتاً من الجن أتاني الليلة ليقطع علي صلاتي فأمكنني الله منه فأخذته فأردت أن أربطه على سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه فذكرت دعوة أخي سليمان ﴿وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي﴾ فرددته خاسئاً» فعلم من هذه الأوجه أنه ليس في كلام سليمان عليه السلام ما يشبه الحسد وهو طلب ما لا ينبغي لأحد غيره، وأجاب الزمخشري بأجوبة غير ذلك منها: أن سليمان عليه السلام كان ناشئاً في بيت الملك والنبوة ووارثاً لهما فأراد أن يطلب من ربه معجزة فطلب على حسب ألفه ملكاً زائداً على الممالك زيادة خارقة للعادة بالغة حد الإعجاز ليكون ذلك دليلاً على نبوته قاهراً للمبعوث إليهم ثم قال: وعن الحجاج أنه قيل له: إنك حسود، فقال: أحسد مني من قال: ﴿وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي﴾ قال: وهذا من جراءته على الله تعالى وشيطنته ومن شيطنته ما حكي عنه طاعتنا أوجب من طاعة الله لأنه شرط في طاعته فقال: ﴿فاتقوا الله ما استطعتم﴾ (التغابن: ٣٦)
وأطلق في طاعتنا فقال ﴿وأولي الأمر منكم﴾ (النساء: ٥٩)، فإن قيل: قوله تعالى: ﴿رخاء﴾ ينافيه قوله تعالى في آية أخرى: ﴿ولسليمان الريح عاصفة﴾ أجيب عن ذلك بوجهين: الأول: أن المراد أن تلك الريح كانت في قوة الرياح العاصفة إلا أنها لما أمرت بأمره كانت لذيذة طيبة وكانت رخاء. الثاني: أن تلك الريح كانت لينة مرة وعاصفة أخرى فلا منافاة بين الآيتين.
تنبيه: قوله تعالى: ﴿حيث﴾ ظرف لتجري أو لسخرنا.
فائدة: روي أن رجلين خرجا يقصدان رؤبة يسألانه عن معنى: أصاب فقال لهما: أين تصيبان؟ فعرفا، وقالا: هذا بغيتنا. وقوله تعالى:
(٩/٣١٣)