﴿واذكر عبدنا﴾ أي: الذي هو أهل للإضافة إلى جنابنا ويبدل منه ﴿أيوب﴾ وهو ابن الروم بن عيص بن اسحق وامرأته ليا بنت يعقوب عليهما السلام وقوله تعالى: ﴿إذ نادى ربه﴾ بدل من عبدنا بدل اشتمال وأيوب عطف بيان له وقوله: ﴿إني﴾ أي: بأني ﴿مسني الشيطان﴾ أي: المحترق باللعنة البعيد من الرحمة ﴿بِنُصبٍ﴾ أي: بمشقة وضر ﴿وعذاب﴾ أي: ألم جيء به على حكاية كلامه الذي نادى بسببه ولو لم يحكه لقيل: إنه مسه لأنه غائب، وقال قتادة رضي الله عنه: النصب في الجسد والعذاب في المال، واختلف العلماء في هذه الآلام والأسقام الحاصلة في جسده على قولين؛ أحدهما: أنها حصلت بفعل الشيطان، والثاني: أنها حصلت بفعل الله تعالى، والعذاب المضاف في هذه الآية إلى الشيطان وهو عذاب الوسوسة وإلقاء الخواطر الفاسدة، أما تقرير القول الأول فهو ما روي أن إبليس لعنه الله سأل ربه فقال: هل في عبيدك من لو سلطتني عليه يمتنع مني، فقال الله تعالى: نعم عبدي أيوب فجعل يأتيه بوساوسه وهو يرى إبليس عياناً ولا يلتفت إليه، فقال: رب إنه قد امتنع علي فسلطني على ماله فكان الشيطان يجيئه ويقول له: يا أيوب هلك من مالك كذا وكذا، فيقول أيوب له: الله أعطى والله أخذ ثم يحمد الله سبحانه وتعالى، فقال: يا رب إن أيوب لا يبالي بماله فسلطني على جسده فأذن فيه فنفخ في جلد أيوب فحدث أسقام عليه وآلام شديدة فمكث في ذلك البلاء سنين حتى استقذره أهل بلده فخرج إلى الصحراء وما كان يقرب منه أحد فجاء الشيطان إلى امرأته، وقال: إن زوجك إن استغاث بي خلصته من هذا البلاء فذكرت المرأة ذلك لزوجها فحلف بالله لئن عافاه الله تعالى ليجلدنها مائة جلدة وعند هذه الواقعة قال ﴿أني مسني الشيطان بنصب وعذاب﴾ فأجاب الله تعالى دعاءه وأوحى إليه أن ﴿اركض برجلك﴾ إلى آخر الآية.
وأما تقرير القول الثاني: فإن الشيطان لا قدرة له البتة على إيقاع الناس في الأمراض والأسقام ويدل عليه وجوه.
(٩/٣١٦)


الصفحة التالية
Icon