أحدهما: مذهب السلف وهو إقراره كما جاء من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل والإيمان به من غير تأويل له والسكوت عنه مع الاعتقاد بأن ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
والمذهب الثاني: مذهب الخلف: وهو تأويل الحديث فقوله ﷺ رأيت ربي في أحسن صورة يحتمل وجهين:
أحدهما: وأنا في أحسن صورة كأنه زاده جمالاً وكمالاً وحسناً عند رؤيته لربه وإنما التغيير وقع بعده لشدة الوحي وثقله.
(٩/٣٣٣)
الثاني: أن الصورة بمعنى الصفة ويرجع ذلك إلى الله تعالى والمعنى: أنه رآه في أحسن صفاته من الإنعام عليه والإقبال إليه والله تعالى تلقاه بالإكرام والإعظام فأخبر ﷺ عن عظمته وكبريائه وبهائه وبعده عن شبهه بالخلق وتنزيهه عن صفات النقص وأنه ليس كمثله وهو السميع البصير وقوله ﷺ فوضع يده بين كتفي إلخ فالمراد باليد: النعمة والمنة والرحمة وذلك شائع في لغة العرب فيكون معناه على هذا الإخبار بإكرام الله تعالى إياه وإنعامه عليه بأن شرح صدره ونور قلبه وعرفه ما لم يعرفه حتى وجد برد النعمة والرحمة والمعرفة في قلبه، وذلك لما نور قلبه وشرح صدره فعلم ما في السموات وما في الأرض بإعلام الله تعالى إياه فإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون إذ لا يجوز على الله تبارك وتعالى ولا على صفات ذاته سبحانه مماسة أو مباشرة أو نقص وهذا أليق بتنزيهه وحمل الحديث عليه، وإذا حملنا الحديث على المنام وإن ذلك كان في المنام فقد زال الإشكال لأن رؤية الباري سبحانه في المنام على الصفات الحسنة دليل على البشارة والخير والرحمة للرائي، وسبب اختصام الملأ الأعلى وهم الملائكة في الكفارات وهي الخصال المذكورة في الحديث في أيها أفضل، وسميت هذه الخصال كفارات؛ لأنها تكفر الذنوب عن فاعلها فهي من باب تسمية الشيء باسم لازمه وسمي ذلك مخاصمة لما مر في السؤال والجواب المتقدمين وقوله تعالى:


الصفحة التالية
Icon