تنبيه: المقصود من ذكر هذه القصة المنع من الحسد والكبر لأن إبليس إنما وقع فيما وقع فيه بسبب الحسد والكبر، والكفار إنما نازعوا محمداً ﷺ بسبب الحسد والكبر فذكر الله تعالى هذه القصة ههنا ليصير سماعها زاجراً عن هاتين الخصلتين المذمومتين.
(٩/٣٣٥)
﴿قال﴾ الله تعالى ﴿يا إبليس﴾ سماه بهذا الاسم لكونه من الإبلاس وهو انقطاع الرجاء إشارة إلى تحتم العقوبة له ﴿ما منعك أن تسجد﴾ وبين ما يوجب طاعته ولو أمر بتعظيم ما لا يعقل بقوله تعالى معبراً بأداة ما لا يعقل عمن كان عند السجود له عاقلاً كامل العقل: ﴿لما خلقت بيدي﴾ أي: توليت خلقه من غير توسط سبب كأب وأم والتثنية في اليد لما في خلقه من مزيد القدرة، وقوله تعالى: ﴿أستكبرت﴾ استفهام توبيخ أي: تعظمت بنفسك الآن عن السجود له ﴿أم كنت من العالين﴾ أي: من القوم الذين يتكبرون فتكبرت عن السجود له لكونك منهم فأجاب إبليس بقوله:
﴿قال أنا خيرٌ منه﴾ أي: لو كنت مساوياً له في الشرف لكان يقبح أن أسجد له فكيف وأنا خير منه ثم بين كونه خيراً منه بقوله: ﴿خلقتني من نار وخلقته من طين﴾ والنار أشرف من الطين بدليل أن الأجرام الفلكية أفضل من الأجرام العنصرية، والنار أقرب العناصر من الفلك والأرض أبعد عنه، فوجب كون النار أفضل من الأرض، وأيضاً فالنار خليفة الشمس والقمر في إضاءة العالم عند غيبتهما والشمس والقمر أشرف من الأرض فخليفتهما في الإضاءة أفضل من الأرض، وأيضاً فالكيفية الفاعلة الأصلية إما الحرارة وإما البرودة والحرارة أفضل من البرودة لأن الحرارة تناسب الحياة والبرودة تناسب الموت، وأيضاً فالنار لطيفة والأرض كثيفة واللطافة أفضل من الكثافة، وأيضاً فالنار مشرقة والأرض مظلمة والنور خير من الظلمة، وأيضاً فالنار خفيفة تشبه الروح والأرض كثيفة تشبه الجسد والروح أفضل من الجسد فالنار أفضل من الأرض.
(٩/٣٣٦)


الصفحة التالية
Icon